زاد الاردن الاخباري -
بقلم: أمل مصطفى فاضل - يقول الشاعر العراقي عبد الرازق عبد الواحد:
"مَن يَعرفُ اَلْعِرَاق؟
يَعرفُ كيفَ تَلتَقي اَلسُّهُول وَالْجِبَال
اَلضَّوْء وَالظِّلَال
الواقعُ وَالْخَيَال
والمُمكِنُ وَالْمُحَال".
بلادُ الرافدين، عند ذِكرِ هذا البلد أمامكَ، تأتي في مخيّلتكَ أولاً الثقافة أو رُبما الشعرُ والجمال، تِلك المصطلحات مرتبطةٌ بشكلٍ غريبٍ بهِ، فعند التحدّث عن العِراق هل أبدأُ بالحديثِ عن حضارتهِ، عن شعبهِ، عن شُعرائهِ أم عُلمائه؟، سأحتارُ بما سأختارُ من كلماتٍ تليقُ بمقامهِ، فالعراقُ عظيمٌ بعيونِ شعبهِ، وهو الذي لا بِخَان ولا يُباع.
أولُ حضارةٍ أُقيمتْ على أرضهِ، الحضارة السومرية، حيثُ استوطن السومريون بابل، وبنوا أعجوبةً من أعاجيب الأرض فكانَ الشخصُ الذي أقامَ بِبابل وعَمرها، لتُصبحَ في زَمَانهَا- بتاريخ خمسة اَلْأُفّ قبلَ الميلاد- جنةَ الأرضِ هو "نبوخذ نصر"، أُطلقت عليها جنائنُ بابل المعلقة التي فاقت زمانها بِالْفَنِّ المعماري ويعود سببُ بناءِ تلكَ الجنائن؛ لامرأتهِ التي تركت أهلها وسكنت معهُ، فكانت تحنو إليهم، فبنى لها الجنائن، تعويضًا لتركها لهم، ولكي لا تشعُرَ بالغربة معهُ، وهذا دليلٌ على أن شعبَ هذا الوطن عاطفيون جِدًّا، تجدُ الحب والمودة بينَ أضْلُعِهم رَغْم حدةِ ملامحهم.
نحنُ العراقيون نتشابهُ بالكثير مِنَ الخِصالِ الحميدةِ، نختلف فقط ببعض العاداتِ باختلافِ المناطق، حيثُ عادات أهل الشمالِ تختلف عن الجنوب، بفروقاتٍ جميلة ولكن رغم ذلك لا يزالُ هذا الاختلاف سَرَّ تَمَيُّزنَا، نحنُ العراقيون يكفينا من الحياةِ بيت شعرٍ ورِفاق.
الجنوب حيثُ البصرة، العمارة والناصرية، وغيرها من المدن التي لو خالطت بأهلها للامسَ اَلْوِدّ قلبكَ لهم، لطيبتهم وبساطتهم أما ذاك السمار الذي يلفتُ قَلبُك قبل عَينيكَ، لِفَيْحَاء ممشوقة اَلْقَدّ معطاءةِ جوادةً تحنو كأمٍّ وتُعطي بلا ثمن تلك هي نخلة العراق الجميلة سُكناها القَلبُ قبل الجنوبِ ، وحين تهبُ على جبهتكَ نسائمُ مُلتقى الرافدين هُناك، توافد إلى قلبك ذكريات عاشِقَيْن أضناهُما الشوقُ سفرًا ليفيضا أَنْعَمَا وخيرات ، لا يقتصرُ تاريخُ الجنوبِ على جمال طبيعتهِ وإنما يضم أروع أسماءٍ خَلدها هذا التاريخ فعندَ دخولك للبصرةِ مدينةُ العِلم والعلماء سترى تمثال "الخليل بن أحمد الفراهيدي" و "الحسن بن الهيثم"، و "الفرزدق" وغيرهم من العُلماء الذينَ لو وددتُ اَلتَّحَدُّث عنهم لاحتجت كُتبًا، حُبًّا لتلكَ الأرض العظيمة.
عندما تنقطعُ بكَ اَلسُّبُل، فقط توجه للغرب، الأنبار، أكبر محافظاتِ العراقِ مساحةً وَأَكْرَمهَا شعبًا، عِند دخولك حدود هذهِ المحافظة ستسمع بقلبك صوتَ الوفاء لوطنِهم، صوتُ الحق يعبرُ من "الجسر العائِم" وسترى بعد النزول عندهم أنّ أعظمَ ما لديهم لو أعجبكَ لقدموهُ أمامك دون مقابل أو تردد ، يُفرغونَ بيوتهم لتنام براحةٍ دونَ تَكَلُّف، ستحظى بفرصةِ لعيشِ حياة البادية والحاضر في آنٍ واحدٍ، تِلكَ الأنبار، مدينةُ الكرمِ.
تبحرُ الأنهار بكَ من الكرمِ إلى الشجاعةِ في صلاح الدين، سُميت نسبةً لابنها صلاحُ الدين الأيوبي، وهي واحدةٌ من أجمل محافظاتِ هذا البلد حيثُ تنقلك إلى الإبداعِ عند رؤيتك لمئذنةِ الملوية، في سامراء "سُرَّ من رَأى" أي أنّ الذي يرى سامراء يُسّر دونَ وَعْي منه، فهي من أجملِ المدائن وأكثرُها عظمةٍ في هذه المحافظة، كانت سامراء عاصمةُ الدولة العباسية التي بناها المعتصمُ بالله، وَتَضُمّ هذه المدينة "قصرُ العاشق" هذا المَعلمُ شَكل أهميةً حضاريةً في العصر العباسيّ، سامراء يجري بها نهر دجلة، كما يجري الدمُ في شَرَايِين القلب، مدينة تاريخيةٌ عريقةٌ ولدتُ أنا بها.
وأقبَلَتْ بَغْدَاد
حاملةً شموعَ ألفِ ليلةٍ ولَيلَه
وصوتَ شَهْرَزَاد
وأجملَ الأحلام عن أشرِعَةِ اَلسِّنْدِبَاد...
ويأخذُكَ النهرُ إلى العاصمةِ بغداد، لا مثيلَ لبغداد، هُنا الحضارةُ والمنارة، هُنا اَلتَّارِيخ والشعرُ، الثقافة والجمال والإبداع، والأدب، "بغداد الله خَلقها جميلة" كُل الوصفِ والحُسن لا ينصفُ هذه المدينة، عاصمةُ العراقيين تَضُمّ شُعراء التاريخِ، أبو الطيب المُتنبي، بدر شاكر السياب، محمد مهدي الجواهري، نازك الملائكة، معروف الرصافي، وغيرها من الكثير، تلك الأسماء ستشعرُ بها بقلبك فالعقل لا يُضاهي هذا الإبداع وعظمتهِ، وقد تغزل اَلْقَبَّانِيّ في وَصفها إذا يقول:
عيناكِ يا بغدادُ منذُ طفولتي
شمسان نائمتانِ في أهدابي
لا تنكري وجهي فأنتِ حبيبتي
وورود مائدتي وكأسُ شرابي
بغداد جئتك كالسفينة مُتعبًا
أُخفي جِراحاتي وراءَ ثيابي
بغدادُ عشتُ الحُسن في ألوانه
لَكِنَّ حُسنُكِ لم يَكن بحسابي
تَضُمّ بغداد معالمَ كثيرةٌ لها معنى عميقٌ، ومن أجمل تلك المعالم: نصبُ الشهيد وهو يحوي أسماء شُهداء بغداد في ذاك العصر، ونصب إنقاذ الثقافة، ويوضح شكلهُ أنّ العراقي بكل قوةِ علمهِ يحمي الثقافة وحضارتها من الانبهار،
من ماتَ في بغداد ودُفن فيها نُقل من جنةٍ إلى جنة،
هذهِ بِعِدَادِنَا، فَأَيّ جمالٍ بعدَ بغدادَ يُذكَرُ؟
لِنودعَ بغداد، ونختمَ عِراقنا بشمالهِ، فَفي نينوى يُقسمُ أقدمُ تاريخ العِراق، فهي من أقدم المُدن الإسلامية تَضُمّ أضرحة للأنبياء، يفوح من جُدرانِها عَبقُ التاريخِ وذكرى شُهدائنا، وفي أقليم كُردستان، هناك تخبئ الطبيعة أجملَ الجِبال والهضاب على "قلعة هَولير" التي أستوطنها الآشوريون، والمنارةُ المظفرّية التي بُنيت في حُكم الأيوبي، لتجعل من ذاك المكان رمزًا للأمان والحماية.
هذا هو اَلْعِرَاق
بالأمس يَومَ نَكَّسَتْ رؤوسَها اَلرِّجَال
وَكادَ أنْ يَبكي على هاماتِها اَلْعِقَال
كانَ العراقُ هَامّه كَقِمَم اَلْجِبَال...
العِراق، كانَ وسيبقى مجدًا للحضارات، فهو دارُ السلام خُلق للسلام، بلادٌ لن تُهزم بلادٌ نَصرُها مع الله، فَكُلّ شيءٍ في هذا البلد يرمزُ لتاريخِ عريق، نهاية هذهِ المقالة ليست سوى بدايةُ لحضارةِ بلاد الرافدين وكما قال شَاعرنا عبد الرزاق عبد الواحد:
هو العراقُ سليلُ المجدِ والحسبِ
هوَ الذي كُلّ مَن فيهِ حَفيدُ نَبي
كَأَنَّمَا كبرياءُ الأرضِ أَجِم. ....
كَأَنَّمَا كبرياءُ الأرضِ أَجْمَعهَا
تُنَمَّى إليهِ فَما فيها سِواهُ أبي
هوَ العراقُ، فَقُلْ لِلدائراتِ قِفي
شاخَ اَلزَّمَان جَميعًا والعراقُ صَبي
قَدرهُ أن يكونَ عِرَاقِيًّا فيا لهُ من قدرٍ عظيم!...
Lolonice2019@gmail.com