عنوان المقالة اقترحه عليّ زميل وصديق إعلامي من إحدى الدول الذي تشرفت بلقائه والتعارف بيننا من خلال أحد المؤتمرات المنعقدة في عمان، كانت جلسة على فنجان قهوة تناولنا فيها واقع الحال والمآل العربي، وخاصة حالة الإعلام بمختلف مجالاته ووسائله، هو حديث طال فيما يقال وما لا يقال.
ومع تبادل الرسائل عبر الواتس أب ومطالعته لبعض ما أكتبه، طلب مني محبةً أن يكون عنوان مقالة لي « كن حنوناً» لأنه وجد في كثيرٍ مما أكتبه شيئاً من الوجع الكثير الذي يصل إلى مرحلة القسوة على النفس والواقع، وأنه على الإعلامي أن ينظر إلى الكأس بشكل كلّي وليس للجزء الأسوأ منه.
هنا نتوقف للبحث عن ماهية الإعلام وأدواره ومهامه ووظائفه، هل المطلوب من الإعلام تجميل الواقع، أم تناوله كما هو تماماً أم المبالغة والتهويل في تشويه الواقع؟
هل يقدّم الإعلام الواقع بحسب وجهات نظر محددة، وهل ينبغي للإعلامي الإلتزام بما يريده صاحب الشأن الإعلامي سواء أكان رسمياً أم شخصياً، هل يجوز للإعلامي تحوير الواقع بما يتماشى مع قناعاته وأولوياته واهتماماته.
من هو صاحب الحق في كيفية تقديم الواقع على الإعلام، هل هو صاحب الوسيلة الإعلامية، أم صاحب القرار الإعلامي، أم الإعلامي نفسه.
هل ينبغي المجابهة المباشرة وتحمّل تبعاتها، أم يجب السكوت والصمت الذي يأخذ شكل الدوّامة ليصبح هو الواقع المفروض لا الواقع الحقيقي.
ما معنى أن تكون حنوناً التي يريد الزميل مني العمل به، هل هو نوع من الكذب التجميلي، هل هو نوع من المسايرة والمداراة والتعمية والتورية والتعتيم.
أي إعلام نقصد عندما نطالب بمهنية وحرفية الإعلام، هل هو الإعلام التابع أم المتبوع، المبادر أم المتلقي، المستقصي أم المستكفي.
ما معنى المصداقية في الإعلام، هل تعني مجاراة متطلبات اجتماعية وسياسية واقتصادية وربما أيديولوجية. أم تعني نشر الحقيقة كما هي دون رتوش ودون أصباغ ودون تهويل أو تقزيم.
من يقرر طبيعة أدوار الإعلام التنموية والمجتمعية. هل تكفي أخبار أو تصريحات معينة كي نقول أن الإعلام يمارس أدواره فعلياً.
الحقيقة أن هذه التساؤلات وغيرها الكثير، هي مما يراود الإعلامي وخاصة الكاتب الصحفي عندما يجد نفسه خلف شاشة الكمبيوتر ويده على أزرار المفاتيح والحروف، هنا فقط تظهر مرآة الإعلام التي يريد هذا الإعلامي أن يرى نفسه من خلالها.
« كن حنوناً « ربما هي جملة جميلة وإنسانية تعبّر عن فيضٍ من التوجهات الإيجابية، لكنها عند الإعلام قد تأخذ أشكالاً متعددة تصل إلى درجة القسوة ضد كثيرٍ مما نعايشه بحيث يصير الحنان فعلاً يكمن في القسوة الإعلامية عند الحاجة إليها.
كل المحبة للزميل الإعلامي العربي مغلفة بكل الحنان.