أيام قليلة وتتقدم الحكومة بمشروع قانون موازنة الدولة لسنة 2023 والذي على الأرجح حسب المعطيات الأولية أنه لن يختلف كثيرا عن المعاد تقديره للسنة الحالية.
موازنة عام 2023 ستخلو هذه المرة من أي مساعدات مالية عربية مباشرة للخزينة في بند المنح، وهذه من الحالات النادرة التي ستشهدها الموازنة منذ عقود، فالاعتماد على المنح في الاقتصاد الأردني عنصر أساسي في تحقيق زيادة الاستقرار المالي للدولة في كثير من الأحيان، لا بل إنه لعب دوراً مفصلياً في ذلك في بعض الفترات العصيبة التي شهدها الاقتصاد الأردني.
مع نهاية هذا العام ستنتهي آخر مخصصات المنحة الخليجية التي قدمت للأردن في عام 2012 بقيمة 3.67 مليار دولار.
ومع نهاية هذا العام أيضاً ستكون آخر دفعة لمخصصات المنح المقدمة وفق إعلان مكة بقيمة 124 مليون دولار سنوياً اعتباراً من سنة 2019.
باقي المساعدات الموجودة في الموازنة هي مخصصات المنح الأميركية السنوية (660 مليون دولار)، ومنحة من الاتحاد الأوروبي (100مليون دولار).
للعلم بند المساعدات الاقتصادية التي يتلقاها الأردن تشمل في مضمونها المنح التي تدخل الخزينة والمشاريع الممولة من المانحين مباشرة، والقروض التي استدانتها الحكومة سواء من الداخل أو الخارج لتمويل نفقاتها المختلفة.
هنا لا بد من الإشارة بشكل واضح أن موازنة العام المقبل ستتضمن فقط بند المنحة الأميركية التي كانت قد أقرت اتفاقيتها ضمن مذكرة تفاهم جديدة لمدة سبع سنوات بقيمة 1.45 مليار دولار، سيدخل منها للخزينة مباشرة ما يقارب الـ845 مليون دولار تستخدم لسد العجز وتمويل مشاريع رأسمالية مرصودة في الموازنة، وباقي المساعدات ستذهب من خلال الوكالة الأميركية لدعم مشاريع مباشرة تنفذ في الاقتصاد ضمن أسس تضعها المنحة الأميركية.
المساعدات العربية لطالما لعبت دوراً مهماً في حماية الاقتصاد الوطني من الانزلاقات والدخول في نفق معتم، فالكل يتذكر الدول المساندة للمنحة السعودية عقب أزمة الدينار سنة 1989 والتي أعادت الاستقرار النقدي شيئاً فشيئاً.
والكل يعي جيداً المساعدات العراقية خاصة في المنحة النفطية ضمن البروتوكول التجاري الموقع بين البلدين خلال فترة الثمانينيات ولغاية حرب 2003، والتي دعمت الاقتصاد الوطني بشكل مباشر بقيمة تناهز الـ500 مليون دولار على شكل منح نفطية، إضافة إلى تبادلات تجارية اقتربت من المليار دولار سنوياً.
ولا أحد ينكر الدور الحاسم والرئيسي للمساعدات الخليجية النفطية والمالية المباشرة التي قدمت للخزينة عقب حرب الـ2003 والتي كانت عبارة عن مساعدات نفطية سعودية إماراتية كويتية عوضت خسارة المملكة للنفط العراقي التفضيلي، ثم تحولت هذه المساعدات لمنح مالية لفترات محدودة.
وخلال الربيع العربي وتطورات حراك الشارع، سارعت الدول الخليجية لتقديم مساعدات مالية على شكل منح مالية بقيمة 3.67 مليار دولار عرفت باسم المنحة الخليجية والتي حولت أجزاء كبيرة منها إلى بند النفقات الرأسمالية.
لحقتها بسنوات قليلة منحة إعلان مكة التي بادرت المملكة العربية السعودية بتقديمها قبل خمس سنوات بقيمة 124 مليون دولار سنوياً للموازنة، ناهيك عن مساعدات بقيمة المليار دولار على شكل قروض وضمانات لدى المؤسسات الدولية.
جميع أشكال المساعدات العربية السابقة لها قيمة مضافة عالية على الاقتصاد الوطني، لأنها دخلت مباشرة للموازنة، ومولت مشاريع رأسمالية أو ذهبت لسداد العجز المالي.
لا أحد يستطيع قراءة المشهد الاقتصادي في العلاقات الثنائية بين المملكة والدول الخليجية الشقيقة، لكن يبقى السؤال المطروح، هل تخلت الدول الخليجية عن دعم الاقتصاد الأردني بالمنح المالية المباشرة للخزينة، واكتفت بضخ الاستثمارات في الاقتصاد كتعويض عن المساعدات؟.