تريدون أحزابا وطنية تحظى بثقة الأردنيين، وتشكل الأغلبية في مجلس النواب، ثم تصل للدوار الرابع، على هيئة حكومات حزبية؟
لا بأس، لدينا إجابتان، الأولى، «نعم» افتراضية، نسمعها مرارا وتكرارا على ألسنة مسؤولين وحزبيين، بعضها يندرج في إطار الوعود والتصريحات المتفائلة، وبعضها الآخر يندرج في سياق التعامل مع مسار التحديث السياسي، باعتباره ضرورة للدولة والمجتمع، على الرغم من وجود مخاوف عرقلته من بعض قوة الشد العكسي.
أما الإجابة الثانية، فهي واقعية بامتياز، وتستند إلى حقائق وأرقام تكشف حالة الحزبية في بلادنا، خذ – مثلا - لدينا وزارة شؤون سياسية، تعاقب عليها منذ عام 1985 أكثر من 30 وزيرا، لدينا -أيضا- مؤسسات مدنية، تتلقى التمويل من الخارج، لتنشيط العمل السياسي والحزبي، لا تسأل بالطبع كما أنفقنا من الموازنة العامة لتنمية الأحزاب، وكم أهدرنا من وقت لتعديل قوانينها .
كيف كانت النتيجة؟ لدينا، الآن، اكثر من 50 حزبا، انضم إليها 38 ألف عضو فقط، فيما لا تحظى هذه الأحزاب، حسب استطلاعات الرأي ، الا بثقه 12% من المستطلعين، وهي أقل من الثقة بالحكومات، اما نسبة الأردنيين الذين يفكرون بالانضمام للأحزاب فلم تتجاوز 1 % فقط .
لا أعرف، بالطبع، كيف يمكن ردم الهوة الواسعة بين إجابة الافتراضات و التمنيات والطموحات المعقودة لازدهار الحزبية في بلادنا، وتمكينها من الوصول للبرلمان والحكومة، وبين إجابة الوقائع، بما فيها التجربة التاريخية، التي تشير إلى أن «تربتنا» الأردنية غير جاهزة لاستنبات العمل الحزبي ؟
ما أعرفه هو أننا، أقصد مؤسسات الدولة ونخب المجتمع، غير مستعدين، حتى الآن، لأخذ الحزبية على محمل الجدّ، سواء بسبب الاستعصاءات السياسية، أو المخاوف الأمنية، أو بسبب عزوف المجتمع عن إفراز نخب تمثله، وتحظى بثقته، أو لاعتبارات اجتماعية تتعلق بسطوة العشيرة، والديموغرافيا، أو ربما لظروف خارجية لها حساباتها المعروفة.
الآن، كيف يمكن أن نفهم وصول 41 نائبا للبرلمان على مركب الحزبية بعد اقل من عامين، حيث من المتوقع أن تجري الانتخابات البرلمانية على أساس القانون الجديد.
ربما يعتقد البعض أن الأشهر، والسنوات القادمة، ستشهد تصاعدا بأعداد المقبلين على الانتساب للأحزاب (مؤشر ذلك أن 12 ألفا عضو انضموا منذ بداية هذا العام للأحزاب) لكن حتى لو حصل ذلك، فإن الحوافز التي منحت للأحزاب، ضمن مسار التحديث السياسي، ستظل أكبر من قدرة الأحزاب، وإمكانياتها، على استثمارها إذا افترضنا سلفا ثبات عوامل الرغبة والإرادة السياسية تجاه الحزبية .
السؤال الأهم هو: من يملأ هذا «الحيز» الحزبي الموجود؟ واضح أن ثمة طبقة جديدة تشكلت من كبار التجار والمقاولين، والأثرياء والموظفين الكبار، الذين «تربعوا» على الوضع القائم خلال السنوات الماضية، هؤلاء، إضافة لطبقة «حراس الايدولوجيا» من اليمين واليسار والوسط، هم المرشحون لصياغة نسخة الحزبية الجديدة، في سياق تحالف المال والايدولوجيا، فيما ستظل الجماعة الوطنية تتفرج على المشهد، وتتحسر على الواقع.
المخرج من هذه الواقعة التي ستضعنا في مواجهة تكرار حالة اللايقين واللاثقة واللامشاركة السياسية، يبدو صعبا، لكنه ممكن في سياق حركة مؤسسات الدولة، و نخب المجتمع معا، للتفاهم على مشتركات وطنية تتبناها الجماعة الوطنية الأردنية بكافة أطيافها و تياراتها، على أرضية بلورة «القضية الأردنية» كمشروع وطني لحماية الهوية، وإقامة موازين العدالة، والمواطنة الحقة، وصناعة مستقبل يليق بالأردنيين.