«كما سبق أن أكدت في عدة مناسبات، التدخلات الإيرانية تطال دولاً عربية، لذا نأمل أن نرى تغيراً في سلوك إيران، ولا بد أن يتحقق ذلك على أرض الواقع، لأن في ذلك مصلحة للجميع في المنطقة، بما في ذلك إيران والشعب الإيراني».
«لا نريد توتراً في المنطقة، والأردن وكل الدول العربية تريد علاقات طيبة مع طهران مبنية على الإحترام المتبادل وحسن الجوار واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها»، مشدداً على أن «الحوار هو السبيل لحل الخلافات».
ورأى الملك عبدالله أن «المنطقة ليست بحاجة إلى مزيد من الأزمات والصراعات، بل إلى التعاون والتنسيق»، مؤكداً أن الأردن «دوماً ينادي بمد جسور التعاون بدلاً من بناء الأسوار والحواجز وهو معني بأمن المنطقة».* الملك عبدالله الثاني.
إن محاولة "إغراء" الأردنيين بأموال إيران وعوائد السياحة الدينية لم تأت على حساب إخفاء حقائق ووقائع أقدمت عليها طهران تجاه الأردن مست الأمن القومي الأردني وكادت تعرضه لخطر حتمي.
هذه ليست المحاولة الأولى من هنا وهناك للتسويق للفوائد المادية في فتح باب السياحة الدينية أمام الحجيج الإيرانيين لأضرحة الصحابة جنوب الأردن وخصوصاً "الكرك"، وليس سراً أن النظام الإيراني تعهد في عرض أهملته الدولة الأردنية بأن يمدنا لثلاثين عاماً بالنفط بأسعار لا تذكر مقابل هذه السياحة، وليس سراً أيضاً بأن التواجد العسكري الإيراني في سوريا والعراق بدأ بحجة السياحة الدينية للمقامات والعتبات المقدسة.
قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني لم يخفِ في عام 2016 أطماعه في الأردن بل قالها صراحة واعتبرها من بين الدول التي تتوافر فيها شروط تصدير "الثورة الإيرانية" وأن على طهران أن تسرع في السيطرة على الأردن، ولم يكن يقصد بالشروط سوى المقامات المقدسة لديهم وخصوصاً مقام الصحابي الجليل "جعفر الطيار"، كواجهة لمطامع أكبر إحداها الموقع الإستراتيجي للأردن في المنطقة.
سليماني نفسه وقبل مقتله، وقف في حزيران 2017 على الحدود الأردنية السورية ومن خلفه عناصر الحشد الشعبي وأشار بيده إلى نقاط المراقبة للجيش الأردني وكأنه أراد القول بأنه إما أن نأتي من بوابة "السياحة الدينية" أو من خلال المناظير العسكرية التي كان يحمل إحداها في يده حينها.
ما كشف عنه السفير الأردني سابقاً في طهران بسام العموش يجسد يأس النظام الفارسي في عبور الأردن من بوابة الدبلوماسية، حينما عرضت طهران عليه بصفته سفيراً بناء مطار في الكرك يستقبل كل يوم ألف إيراني ورد عليهم بضرورة توقيع إتفاقية أمنية تضع النقاط على الحروف قبل أي شيء، كانت إجابة طهران عليه بأنهم "ذهبوا ولم يرجعوا" على حد تعبيره.
تيقنت طهران أن بوابة الدبلوماسية للحصول على "السياحة الدينية" للتغلغل في الأردن مغلقة ولا تنفع فيها الصيانة، لذا فكرت بخيار آخر يتمثل بزرع عملاء لها مدربين من الحرس الثوري الإيراني للتجسس، لا بل وعلى صنع المتفجرات الفتاكة، و"ثغرة عصفور" شمال الأردن كانت شاهداً في نيسان 2015 حينما عثرت الأجهزة الأمنية على 45 كيلوغراماً من مادة (RDX) شديدة الانفجار بحوزة العراقي حامل الجنسية النرويجية " خالد الربيعي" الذي أقر في التحقيقات بأنه عميل لطهران ومجند من المخابرات الإيرانية وعمل في محطات التنصت للحرس الثوري بهدف التجسس على الجيش الأردني.
جربت طهران إيجاد موطئ قدم لها في الأردن وتصدير ثورتها من خلال السياحة الدينية عبر الدبلوماسية ولم تفلح، ومن خلال التجسس وزرع العملاء وتحضير المتفجرات ولم تفلح، ولا يبدو أن محاولات المرشد الأعلى للثورة الخومينية في طهران ستتوقف، وفي ضوء ذلك كله، تخرج أصوات من داخل الأردن تفتح بوابة جديدة للمحاولات الإيرانية سندفع ثمنها غالياً إن لم تصمت.
بالمقابل يرى تيار لا يستهان به في الأردن أن استئناف الحجيج الشيعي إلى مزارات مؤتة ربما يسهم في إنعاش السياحة الدينية، وبالتالي انتعاش الاقتصاد الأردني الذي يعيش أزمات إقتصادية متفاقمة ، وأن المخاوف الأمنية من استهداف إيراني غير مبررة في ظل وجود أجهزة أمنية أردنية أثبتت مقدرتها العالية على التعامل أمنياً مع هكذا قضايا والقدرة على التعامل معها”.
الدكتور هيثم عبدالكرريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي