أ.د. عبد الناصر زياد هياجنه - كلية القانون – جامعة قطر - ما كانَ حلماً قطرياً ذاتَ يوم، أصبح حقيقةً عالميةً ماثلةً للعيان يشاهدها بإعجابٍ وانبهارٍ ملايين الناس في جميع أقطار المعمورة. فساعاتٌ قليلة تفصلنا عن بداية بطولة كأس العالم لكرة القدم – فيفا قطر 2022، كأول بطولة تستضيفها دولة عربية مسلمة في سابقةٍ قد لا تتكرر بسهولة. لم تدخر دولة قطر جهداً في سبيل تحقيق رؤيتها الوطنية بكل محاورها الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والبيئية، وانطلقت لتفرض حضورها في المنطقة والعالم معتمدةً على ترسانةٍ متنوعةٍ من عناصر القوة الناعمة تراوحت بين القوة الاقتصادية والإعلام والعمل الخيري والسياسة الخارجية المتوازنة ودبلوماسية الوساطات والخطاب الديني المعتدل والرياضة والتعليم بمختلف مراحله حتى غدت دولة قطر نموذجاً متميزاً حاز احترام وإعجابَ القاصي والداني على مستوى المنطقة والعالم.
وفي رحلة الاستضافة الطويلة، واجهت دولة قطر العديد من التحديات والنقد الذي وصل إلى حد الهجوم غير المبرر على حقها المشروع في تنظيم البطولة. وقد تغلبت على جميع التحديات التي فُرضت عليها وفي أكثر من سياق، واستفادت من النقد البنّاء واعتبرته فرصةً للتطوير والتحديث في منظومتها التشريعية والإدارية فتحوّلت التحديات إلى فرص ومكاسب في الجوانب الحقوقية والقانونية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخدمية. وهي في ذلك تؤكد أن هذا المحفل الرياضي العالمي لن يكون مجرد حدثٍ رياضي عابر سينتهي بإسدال الستار على فعالياته. بل هو نقطة انطلاق لتحديث وتنويع مقدرات الدولة في الحاضر والمستقبل. وأن الإرث الكبير والمتنوع الذي ستتركه البطولة على الدولة سيبقى طويلاً في خدمة أجيالها القادمة.
وعلى مستوى المنطقة فإن النجاح الذي حققته دولة قطر في إدارتها لملف قطر 2022 سيعود بالفائدة على المنطقة برمتها من خلال تعريف العالم بثقافتها وإمكاناتها والفرص المتاحة فيها بعيداً عن الصور والانطباعات غير الحقيقة التي روّج لها الإعلام، كما أن نجاح دولة قطر سيثير تنافساً حميداً بين دولة المنطقة لتقديم نفسها للعالم وتقليد النموذج القطري المتميز. وعلى المستوى العالمي، فإن النموذج القطري المتميز سيمثلُ مظهراً ولو محدوداً وأملاً في إعادة التوزان الغائب في المشهد الدولي على أرض الواقع بعيداً عن خطابات الهيمنة والتفوق والتبعية. هذا علاوةً على العديد من المبادرات التي قادتها أو دعمتها دولة قطر في مجال نزاهة الرياضة وأمن الفعاليات الرياضية الكبرى واستضافتها الناجحة للعديد من البطولات الرياضية الدولية ومعايير استدامة منشآت البطولة والمنشآت المساندة والتي ستكون القاعدة في البطولات القادمة.
كثيرة هي التفاصيل التي يتضمنها مونديال قطر 2022، والتي تؤكد تميزه كبطولةٍ استثنائيةٍ غير مسبوقةٍ تدعو للفخر والاعتزاز بهذا المنجز القطري العربي الرائد، لكن المؤكدَ أن رياضة كرة القدم، ستنتقلُ بعد مونديال قطر 2022 إلى مستوٍ جديدٍ من التفاعل الإنساني الخلاّق، إنه موعدٌ مع التاريخ!