حسن محمد الزبن - إذا تأخر التعليم خطوة واحدة عن مواكبة كل جديد في عالمه، ولم تسعفه الخطط الاستراتيجية الاستباقية، موصولة بالتخطيط التربوي، ليكون متوازنا مع التطور المعرفي والتكنولوجي المتسارع، والاطلاع على ما تم تحقيقه في المدارس والجامعات العالمية المتقدمة، وما تبذله من جهود وتتبع لإحداثيات التقدم، وارتفاع مؤشرات التغيرات المتلاحقة في الانتقال العالمي الذي يواكب الثورة الصناعية الرابعة، التي تمثل انفجارا معرفيا، يعتمد التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي الذي لا تتوافق أو تنسجم معه طرق وأساليب واستراتيجيات التدريس التقليدية، التي مضى على تطبيقها سنوات طويلة، ولم يعد توظيفها في التعليم والتعلم يتناسب مع المستجدات الجديدة التي يفرضها عصر المتغيرات، وأصبح ملح ومن الأهمية تعزيز شخصية المعلم في المدرسة، والأستاذ في الجامعة، ليكونا على قدر عال من الكفاءة للوصول بالعملية التعليمية إلى النجاح المطلوب، ويجب إعادة النظر في تأهيل المعلم وتمكينه ليكون قادرا على إدارة الغرف الصفية، والمدرجات التعليمية، والمنصات الإلكترونية بالتعليم عن بعد، ويكون قدوة لطلابه خاصة أن فضاء الثورة الرقمية متاح للجميع طلابا ومعلمين وأساتذة ومهتمين، وعالم لا يُقيم وزنا للقيم والأخلاق والتقاليد والعقائد؛ فهو مشبع بثقافات مختلفة، وعلى قدر ما فيه من إيجابية، فبتأكيد فيه الجانب الآخر من السلبية وما فيها، وهي في المحصلة تعطي أثرا في تكوين شخصية الطلاب مستقبلا، وبما أننا نؤمن أن المعلم هو الذي يصنع الأجيال، فعلينا أن نقدم كل الدعم له لنأمن على المستقبل القادم.
نحن اليوم أحوج من الأمس على إنشاء جيل من الطلاب يؤمن بالعلم والمعرفة، يتسلح بها طريقا ليشق حياته ويخوض تجربته في الحياة بسلاسة وهدوء، نريده أن يُؤسس على الاعتماد على الذات، ونعوده أن لا يخضع إلى مقرر دراسي، نريد أن نضع الخطوط العريضة للدرس الذي سيتلقاه اليوم، ونترك له حرية البحث، لنؤسس فكرة (الباحث العلمي الصغي)، يُعد درسه بمنهجية الباحث، وهذا يقع على عاتق المعلم بالإشراف والمتابعة وبذل جهد أعلى في أن يكون قدوة أيضا في منهجية البحث العلمي لطلابه، وأن يتعود الطلاب على تعدد المراجع والمصادر العلمية التي تنبثق عنها المعلومة والمعرفة، وأن يكون له رأي في موضوع بحثه من خلال الاستنباط والاستنتاج ويقدمها بأسلوب علمي، يمكن الاستئناس به ومناقشته في قاعة الدرس بين الطلاب.
لا زلت أذكر ونحن في المراحل الابتدائية الأولى، التي تسمى اليوم المراحل الأساسية، ولم يكن الكمبيوتر متداولا، ولم تكن هذه التقنيات الحديثة التي نشهدها اليوم في الأنظمة الذكية، كان يكلفنا المعلم بعمل بحث؛ فكنا نذهب إلى وسط البلد لمكتبة أمانة عمان، ونركب الحافلة أيامها بقرش ونصف وكان من حُسن حظنا أن موقف الحافلات قريب جدا لموقع المكتبة، فلم نكن نتكلف عناء المشي طويلا إليها، وكنا نجد اهتماما من الموظفين والعاملين في المكتبة، بل كنا نحس بتعاطفهم معنا كأبناء لهم، ويوجهوننا لنجد ما نبحث عنه، فنبدأ ونقلب كتبا وأمهات كتب علمها أوسع من مداركنا في ذاك العمر، ولم نكن نعتمد على أي كان في إعداد البحث، ونفرح عندما نجد تقديرا ومدحا من المعلم لما قدمناه، ولم يكن أيامها حتى الآباء والأمهات يشاركوننا في الواجب المدرسي كما هو اليوم؛ تجد الطالب يبحث عن بحث أو موضوع إنشاء جاهز، أو شخص يُعد له ذلك، ليقدمه ويأخذ العلامة عليه، ولما قدّمت وضربت من مثل بسيط، نريد أن نؤسس الطالب الباحث، وأن التعليم المدرسي والجامعي بحاجة إلى إعادة نظر من جديد ليتوافق مع الثورة المعرفية الخلاقة التي أصبحت في متناول الجميع.
المعلم أساس العملية التعليمية والتربوية، ولا يمكن أن يحل مكانه آلة أو (ريبوت)، فمهما بلغت الثورة الرقمية أوجها، أو وصل الأمر أن تكون الغرف الصفية في الفضاء، أو على سطح القمر، فتقديم التعليم بما يتلاءم مع متطلبات عصر الثورة الصناعية الرابعة، يعني أننا نسابق الوقت والزمن بحتى لا نتخلف عن رحلة الذكاء الاصطناعي الذي يُعبر عن انفعالات التكنولوجيا الحديثة، والمعلم عليه التسلح بأفق معرفي يمكنه العبور بالطلاب بثقة إلى عالم ليس له حدود في المعلوماتية المنافسة والمتغيرة والمتجددة كل دقيقة وكل يوم على مدار الساعة.
ولا أحسب أننا نفتقد في الأردن إلى أدمغة تربوية قادرة على المضي في الإصلاح والتطوير في النافذة التعليمية على المستوى المدرسي والجامعي للوصول إلى جودة التعليم المعنى بتنمية المهارات والكفاءات التعليمية بما يتلاءم مع متطلبات سوق العمل والوظيفة مستقبل.
حمى الله جيل المستقبل،
وحمى الله الأردن،