د. محمد حسين المومني - العقل والحكمة يتسيدان التعامل مع النزاع الدائر في اوكرنيا بعيدا عن الرؤوس الحامية التي ترى الامور بمنظور قاصر وتستند لتقييمات غير احترافية.
اكثر التقييمات غير الاحترافية تلك التي طاشت على شبر ماء اعتقدت ان نصرا عسكريا اوكرانيا ضد روسيا بات وشيكا، وأن الحسم العسكري هو ما سينهي الازمة الاوكرانية. اطراف اخرى ترى ان توسيع النزاع وادخال حلف الناتو على خطوطه سوف يكون حاسما لجهة انهاء الحرب بعد ان يسحق الناتو الجيش الروسي في اوكرانيا.
اما الاطراف الحكيمة فتتعامل مع ما يجري بعقلية وازنة تعلم ان حلف الناتو قادر بالفعل على حسم المعركة، ولكن تلك معركة مكلفة على الجميع ولا احد له مصلحة فيها. تلك التقييمات الوازنة ترى بروسيا بوتين دبا جريحا جامحا، لا يجب التعامل معه بفوقية واستعلاء بل بعقل حكيم هادئ، وترى ان خسارة روسيا التي تحققت للان كبيرة زادت من تراجع الاقتصاد الروسي وقدراته التكنولوجية وعزلته، فأصبحت روسيا في مسار التراجع الذي عبر الوقت سيجعلها تعاني وتتنازل لتعود لمنظومة الاقتصاد والعمل العالمي.
اهم دلالات الحكمة في التعامل مع ما يجري لقاءات واتصالات مهمة بين الامنيين والعسكريين الروس والامريكان، يتبادلون المواقف لكي يستمر هذا النزاع تحت السيطرة ولا يخرج عن سكته، واهم نتائج ونجاحات هذه الاتصالات واللقاءات الاتفاق على استمرار التاكيد على حرمة استخدام السلاح النووي، وأنه لا احد له مصلحة بغير ذلك، وان تكلفة استخدامه ستكون ذات نتائج باهظة وجودية على روسيا قبل غيرها.
ابرز ما جاء ليؤكد المنظور الحقيقي والعاقل لما يجري مواقف معلنة لقائد الجيش الاميركي، الذي قال ان النزاع في اوكرانيا لن يحسم باستخدام الادوات العسكرية، في اشارة واضحة لتقييمات تقول ان التقدم العسكري النسبي الاوكراني لن يكون حاسما لجهة فض النزاع وحسمه.
هو قال ايضا ان على الاوكرانيين التعامل بمزيد من المرونة في مفاوضات الهدنة مع روسيا، وهذا يدل ايضا على عدم قناعة بما تفعله اوكرانيا سياسيا وتفاوضيا، وان على الجميع عمل كل ما من شأنه انجاح التفاوض لا التعنت فيه بالاستناد لتقييمات غير دقيقة لواقع الميدان العسكري.
اشارات في غاية الاهمية تظهر فهما وتقييما راشدا لواقع الحال الميداني، وضرورة التعامل مع الدب الجريح بحكمة وعقلانية، وهذا ما تفعله الدول الحكيمة التي لا تنفعل ولا تنجر خلف تقييمات غير احترافية وطائشة.
روسيا اخطأت وانفعلت وهي تدفع يوميا ثمنا باهظا جراء ذلك، وقد اختارت من مجموعة خيارات كانت متاحة امامها الخيار الاسوأ في التعامل مع الازمة الاوكرانية. كان يمكن لروسيا ان تغزو اوكرانيا بالشركات والقوى الناعمة بدلا من السلاح والدبابات.
هذا ما تفعله وتحرص عليه الصين في كل خطواتها، تحاول تجنب المواجهة التي تعلم أنه ليس من الحكمة خوضها. لكن خطأ روسيا لا يعني ان يقابل بخطأ مشابه، بل بجعل روسيا تدفع ثمن خطئها بما يتناسب معه دون استشاطة او انفعال بالتعامل مع دب جريح.