في العام 2019 نشرت “الغد” مقابلة فيديو في برنامج “رياضيون منسيون” مع النجم السابق لكرة القدم إبراهيم مصطفى الملقب بـ”الرهوان”، الذي مثل المنتخب الوطني من العام 1973 قبل أن يعتزل في العام 1991. مصطفى كشف في قصته حينها عن فصول مثيرة في حياته، العامل المشترك فيها كان معاناته من الإهمال وعدم تقدير مسيرته التي خدم بها الوطن، حتى وصل إلى مرحلة يقترض فيها أجرة التكسي من صاحب بقالة لإيصال زوجته إلى المستشفى.
إنها معاناة جيل كامل من المبدعين، وقد استمعنا مؤخرا إلى قصة الراتب التقاعدي الذي تتلقاه أسرة الفنان الراحل محمود صايمة، وغيرها من الحالات الكثيرة التي تثبت أن الحكومات والمؤسسات والأندية والنقابات، تتخلى عن جيل كامل من العمالقة الأردنيين في العديد من القطاعات، حتى بات الشباب ينظرون إلى هذه الحالات على أنها رسائل سلبية، قد تحول دون تفكيرهم ببذل المزيد من الجهود، طالما أنهم غير مطمئنين للفوز بالراحة في مستقبلهم، أو إلى تقدير عطائهم، وذلك أضعف الإيمان.
ما جعلني استرجع مقابلة “الغد” مع اللاعب السابق إبراهيم مصطفى، هو اصطحاب ولي العهد الأمير الحسين لـ”الرهوان” لحضور افتتاح كأس العالم في قطر أمس، وهي لمسة إنسانية عالية بمثابة تكريم، ليس للنجم السابق وحده، بل لجميع لاعبي كرة القدم السابقين والحاليين، ولجماهير الكرة الأردنية قاطبة، ولجيل كامل يسعى اليوم لشق طريقه، وتحقيق المنجز لبلده ولنفسه.
في مقابلته سالفة الذكر مع الغد، وجه نجم الفيصلي السابق رسالة للأندية المحلية، قال فيها “هناك لاعبون خدموا الأندية لفترات طويلة، استفيدوا منهم ولا تديروا ظهوركم لهم، فالكوادر التي شيدت على ظهورها الرياضة يتم تهميشها”.
لا شك أن هذه الكلمات القليلة تعبر عن حرقة كبيرة، كان يستشعرها “الرهوان” في ذلك الحين، حين لم يجد أي تقدير له ولجيله، ما حدا به إلى قول ذلك. بيد أن نداءه هذا بقي حبيس أنفاسه ولم يستمع إليه أحد، وأعتقد أن التكريم من قبل ولي العهد مثّل انتصارا للمظلوم، فاللاعب الذي يبلغ اليوم من العمر 69 عاما، ويعتبر أكثر لاعب رفع كؤوسا في البطولات الأردنية، وفي جعبته نحو 400 هدف منها 45 مع المنتخب، و350 مع النادي الفيصلي، واجه تهميشا من قبل الإدارات المتعاقبة للنادي.
وفي الإطار نستذكر زيادرة سموه إلى منزل الفنان ربيع شهاب في سبتمبر الماضي للاطمئنان على صحته، تحت ذات العنوان المتمثل في الاهتمام بالرعيل الأول الذي قدم الكثير من الانجازات للمشهد الفني.
إعادة الاعتبار، والشمول بالرعاية، وتقديم الرعيل الأول كنماذج وقدوات، في جميع الملفات والقطاعات، أمور ينبغي أن تحرص مؤسسات الدولة على أن تلتزم بها التزاما قويا، فهؤلاء هم من عبدوا الطريق الصعب أمام أجيال اليوم لتعيش في ظل وطن متقدم، وهم من صاغوا معادلة الحب والانتماء لهذا البلد، وها نحن اليوم نسير على خطاهم.
اصطحاب سمو ولي العهد لنجم كرة القدم السابق، تتعدى كونها تكريما، أو رسالة من ولي العهد لجيل كامل قادم، بقدر ما هي أيضا دلالات بأنه لا يمكن زراعة الأمل في مستقبل طالما لم نقدر فيه، أو نرفع من شأن الماضي.