اثنا عشر عاما كانت الفارقة بالنسبة لدولة قطر، هذه الفترة لها ما قبلها ولها ايضا ما بعدها، كانت المنافسة في 2010 محتدمة كالعادة للحصول على شرف استضافة كأس العالم 2022، لتظهر دولة عربية صغيرة بحجمها كبيرة بقيمتها وقدرها وتفوز باستضافة المونديال، وادركت اهمية الوقت في اعادة هيكلة البنية التحتية للدولة استعدادا للحدث العالمي وتحوطا للاعداد الكبيرة التي ستتوافد عليها، ثم لتكون الانجازات ضمن استراتيجيتها 2030 نحو النهضة والتطور، وهذا ما كان.
لم يغِب عن تحضيرات المونديال العالمي ابراز هوية الدولة وعروبتها واسلاميتها، ليصبح منبرا لتغير النظرة النمطية عن عالمنا العربي والاسلامي، ولتُفرض قيمه حتى على زائريه.
قطر منذ 12 عاما ستمتد لعقود قادمة تبدلت بشكل ملفت للنظر بل ويكاد يكون مذهلا، فقد سرع المونديال خطط التطوير في هذا البلد الصغير، صحيح انه غني بالمال، الا ان ثروته الحقيقية كانت بعزيمة اهله في اظهار «قطر» حضارة وتاريخا وقيما عربية واسلامية بأكمل صورة وابهاها.
220 مليار دولار تكلفة المونديال، بالطبع هذا المبلغ يتجاوز تكاليف اكثر من 20 مونديال سبق، الا انه كان مفترق طريق، ذلك ان هذه التكلفة العالية استثمار للمستقبل ابتدأ بتغيير الخارطة الاقتصادية القطرية من دولة تعتمد في دخلها على النفط والغاز، الى اقتصاد متنوع، فقد جعلت تحضيرات كأس العالم من قطر جهة سياحية مرغوبة لدى الكثيرين، فمن لم يتمكن من حجز مقعد له في المونديال، يحب ان يزور قطر سائحا متمتعا بها، فلا شك انها اصبحت على قائمة الدول السياحية، بعد ان هيأت البنية التحتية اللازمة لهذا القطاع الحيوي والهام.
اما في قطاع النقل، فقطر كأي دولة خليجية يعتمد قاطنوها على استخدام السيارات للتنقل، الا ان ضرورات كأس العالم قفزت بقطاع النقل هناك الى الامام بسرعة البرق فكانت وسائل نقل حديثة ومتعددة من مترو وسكك حديدية تضمن سهولة تنقل القادمين لحضور كأس العالم، وزوار قطر لاحقا.
واذا توسعنا اكثر فاننا نرى قطاع النقل الجوي والبحري، الذي تطور 180 درجة، ليصبح الناقل الوطني لقطر من الشركات الاكثر اهمية والاوسع انتشارا والافضل خدمات، لتُعتمد في نقل الضيوف من والى الدوحة، اما موانئها فاصابها ما اصاب غيرها من نهضة بُنيت على اساس متين ومدروس.
وفي مجال الاستثمار واستقطاب مستثمرين محليين ومن الخارج، فقد حدثت انعطافة واضحة في هذا القطاع ليصبح مفتوحا امام تلك الشركات القادرة على تحقيق اهداف الدولة فيما يتعلق بالانشاءات، وبالاخص المستثمرين في القطاع الفندقي، لتهب الى هذه البلد كبريات الشركات العالمية رغبة منها بان تكون لها بصمة في المونديال، بالمقابل كانت تشريعات وقوانين الدولة عصرية جاذبة للاستثمار، ولا ادل من ان 90% من العقود المتعلقة بالبطولة منحتها قطر للشركات.
اما جمالية دوحة قطر ومدنها الاخرى، فحدث ولا حرج ....متنزهات ومرافق وخدمات سياحية وترفيه والقائمة تطول، لجعل هذه العاصمة مقصدا سياحيا بامتتياز.
ان ما حققته قطر على الصعيد التنموي يطول الحديث عنه، وليس من مشكك بانها اختصرت الزمن ليس فقط لانجاح المونديال، بل لاظهار قدرة دولة عربية على اقامته، ومن جانب اخر حققت مفهوم التنمية المستدامة والاقتصاد المبني على اسس قوية بايمان قيادتها وشعبها.
لذلك فان قطر اليوم تعد إنموذجاً حقيقيا يحتذى به فيما بات معروفا وهدفا عالميا يسمى بـ»التنمية المستدامة».