قبل ايام تُوفي والد لصديق.
واتصلت بصديقي من الصباح الباكر لتقديم والمشاركة بالعزاء .
وسمعت صوتا ودوشة وصراخ من حوله، سألته اين انت ؟ فقال في سوق الحلال، عند اللحامين، وابحث عن جميد وسمن بلدي، وشراك، وسألني هل تعرف حدا مكفول ؟!
ويحضر صديقي من الصباح الباكر لاول ايام العزاء لواجب الغداء، وقبل ان يدفن المرحوم.
وحضرت الجنازة، وشاركت في العزاء، وبعد صلاة الظهر ودفن المرحوم، وقف نجله على القبر، وحلف يمين على المشاركين والحاضرين من اقارب المرحوم والناس الحاضرين من برا ان يلبوا دعوة الغداء، والدعاء عن روح المرحوم.
هم المشاركون في الجنازة الى بيت العزاء، وفي اقل من 5 دقائق، القاعة امتلئت بالمعزين، وبعد كم دقيقة فردوا الطاولات، ووضعوا شراشف، وبدوأ بتوزيع المناسف.
وفي تقديري، وان ما خاب ان 100 منسف تم تقديمها، واهل المرحوم كبيرهم وصغيرهم مشغولون في الضيوف، والذي يشرب لبن، ويصب قهوة، ويوزع مياه، ويعزم على الضيوف على المناسف.
و يتفقدون بفراسة الضيوف، ولا يكون حدا منهم ناقصه شيء او ان منسفه يحتاج الى تعديل وتعزيز بالشراب واللحم، والشراك.
المزعج حقا بالموضوع ان اهل العزاء الملطومين والمجبورين برحيل فقيدهم، تحولوا الى معزبيه، وطباخي مناسف.
شيء مؤسف بالعادات والتقاليد الاردنية..
زمان، اذكر ان اقارب المرحوم من نفس العشيرة او « الخمسة « يأخذون غداء العزاء باليوم الاول، وتتناوب بقية افخاد وخمسات العشيرة على ايام العزاء المتبقية.
صدرت دعوات عشائرية تطالب في تنظيم ولائم العزاء والحد منها.. وصدرت وثائق مسطرة باسماء شيوخ ووجهاء لعشائر اردنية كريمة وفاضلة حملت مضامين ايجابية في سبيل تنظيم العزاء والولائم وعادات اجتماعية تحولت الى سيئة وسلبية، وبات من الحتمي والضروري مراجعتها وتنظيمها، وضبطها.
لست هنا انطق من فراغ.. ولكن، والله.. كثيرون حملوني رسالة وجب نشرها وابلاغها، فلعها تجد اذانا صاغية .. العزاء بين اليوم والامس يختلف كثيرا.
في قريتنا اسبوعيا تشارك في عزاء واثنين، والناس ايضا كثروا، واقل غداء لعزاء لازم تقدم 50 منسفا واكثر.
وزمان كانت العشيرة مجموعة بخمساتها وافخاذها تجتمع على 50 منسفا..
في ايام كورونا اختفت و انفكت عادات اجتماعية كثيرة، ومنها بيوت العزاء والولائم، ولكن ما بعد كورونا، للأسف عادت وبحضور قوي.
و صديقي في عزاء والده ذهب الى البنك لكي يقترض الفي دينار، وطبعا البنك رفضوا لانه غرقان في مستنقع ولعنة القروض، ومن الصعب ان توافق ادارة البنك على جدولة قرضه او السماح له باقتراض اي مبلغ.
ولما بلغني الخبر، ذهبت الى البنك وسحبت الفي دينار، واقرضته اياها.. تفاصيل ما ورائية سرية ، لربما لا يعلم بها احد، ولا يحسون بها ويقدرونها.. ولا حتى الاشد قرابة، واهل بيته.
وما ان ينتهي العزاء يكون اهل المرحوم مديونين ب5 الاف دينار واكثر.. وليس كل الموتى يتركون ورثة، ويتركون تكاليف العزاء، وكما عاشوا مجبولين على الكفاف والصبر والرضا، والقناعة، فانهم يموتون هكذا ، وما اكثرهم ! وهذا حال اغلب الاردنيين البسطاء والغلابة.. فمتى سوف ننفك ونخلص من عادات اجتماعية بائدة
وسيئة وعدمية، وقاتلة لمشاعر الفقد والرحمة.