سلامة الدرعاوي - في أوّل ظهور مباشر لمحافظ البنك المركزيّ الأردنيّ الدكتور عادل شركس على شاشة التلفاز الأردنيّ في البرنامج الحواريّ ‘ستّون دقيقة’ بعث مجموعة من الرسائل الاقتصاديّة الداخليّة والخارجيّة الّتي تحتاج فعلاً للتوقّف حول مضامينها.
المحافظ شركس قدّم مجموعة من الأرقام الإحصائيّة الدقيقة الّتي تفنّد كلّ الشائعات الّتي تصدر من هنا وهناك حول الاقتصاد الأردنيّ، وضبابيّة المشهد الّتي يعتاد البعض على إطلاقها عليه.
المعلومات الاقتصاديّة الّتي قدّمها المحافظ شركس حول آخر المستجدّات على المستوى المحلّيّ هي معلومات تحظى باهتمام بالغ من المراقبين والشارع العامّ على حدّ سواء، والسبب يعود في ذلك إلى الثقة الكبيرة الّتي تحظى بها مؤسّسة البنك المركزيّ في المجتمع، نتيجة الإجراءات التراكميّة الّتي اتّخذت على مدار السنوات الماضية والّتي لعبت دوراً حاسماً في إنقاذ الاقتصاد الوطنيّ، وتعزيز استقراره بكلّ مهنيّة وشفافيّة واستقلاليّة الّتي باتت سمة لصيقة في تلك المؤسّسة.
أهمّ رسالة بعثها المحافظ للمراقبين والمتابعين للشأن العامّ هو أنّ واقع الاقتصاد الوطنيّ يخالف الانطباعات السلبيّة الّتي تدور في كثير من عقول المشكّكين والمتشائمين، فالأرقام صادرة عن مؤسّسة حياديّة في أدائها الاقتصاديّ الوازن، وهي أدت دوراً مهمّاً في إنجاح المراجعة الخامسة مع الصندوق، ودوراً حاسماً في تحسين التصنيف الائتمانيّ الأردنيّ من مستقرّ لإيجابيّ رغم هذه الظروف والتحدّيات الإقليميّة والدوليّة والّتي تعصف بالمنطقة.
حصافة السياسة النقديّة وإدارتها الرشيدة كانت نتيجة مبهرة على وجود دينار قويّ مدعوم باحتياطات أجنبيّة من العملات الصعبة تناهز 16 مليار دولار، مع الحفّاظ بقوّة على جاذبيّته وسط تراجع في عملات عدد من دول المنطقة وتعويمها، وفقدانها لأرصدتها من العملات الأجنبيّة، ممّا كان له الأثر السلبيّ في تراجع التدفّقات الاستثماريّة وخروج الكثير منها وبأحجام رؤوس أموال ضخمة في غضون أيّام قليلة.
الرسالة الثانية الّتي تضمّنها حديث المحافظ هو أنّ الاقتصاد الأردنيّ بات أكثر منعة في التعاطي مع الصدمات الاقتصاديّة والسياسيّة في المنطقة، وبعد كلّ أزمة إقليميّة نجد بكلّ وضوح أنّ الاقتصاد يسير دون تعثّر للوراء كما حصل مع الكثير من دول المنطقة، وهذا واضح من خلال معدّلات النموّ الصاعدة الّتي شهدها الاقتصاد منذ بداية العام
(2.5 % – 2.9 %) في الربعين الأوّل والثاني على التوالي، وهي معدّلات أعلى من توقّعات المؤسّسات الدوليّة وعلى رأسها صندوق النقد، ومؤسّسات التصنيف الائتمانيّ ومن أبرزها مودّز الّتي خفّضت تصنيفات ائتمانيّة للعديد من دول المنطقة.
الرسالة الثالثة كانت موجّهة لمجتمع رجال الأعمال والمستثمرين المحلّيّين والأجانب الّذين يبحثون عن توطين آمن ومجدٍ لأموالهم، فالأردنّ يحظى بدعم وتقدير المجتمع الاقتصاديّ العالميّ من مانحين ودول كبرى ومؤسّسات دوليّة، وهو اقتصاد مستقرّ بأنظمته وديناميكيّة الإصلاحات الّتي يقوم بها والّتي ساهمت في تعزيز صموده ومنعته تجاه الصدمات الإقليميّة والدوليّة، فهناك تطوّر مستمرّ في التشريعات الاقتصاديّة، وحماية قانونيّة للمستثمر دون تغوّل عليه من أيّ جهة كانت، فالمستثمر المحلّيّ والأجنبيّ تحت سقف قانونيّ ومؤسّسيّ واحد ، لا تمييز بينهما.
رسالة رابعة تتعلّق بمتانة الجهاز المصرفيّ الأردنيّ والّذي يتمتّع بأعلى درجات الحرفيّة والمهنيّة البنكيّة في المنطقة، فهو يملك مؤشّرات متانة ماليّة عالية سواء بكفاية رأس المال أو الموجودات والودائع، وهذا كلّه انعكس بشكل كبير في نموّ التسهيلات المصرفيّة لمختلف القطاعات الاقتصاديّة بشكل متوازن، وحسب ما ستقدّم لها وفق أعلى المعايير، إضافة لدور البنوك الأساسيّ في تعزيز الاستقرار واستدامة النموّ في الاقتصاد، وهذا بحدّ ذاته مؤشّر متانة الاقتصاد وقدرته على التعاطي مع العلامات المختلفة والتكيّف الإيجابيّ معها، ففي أصعب الظروف كما حدث في كورونا، بقي الجهاز المصرفيّ يمارس أعماله بكلّ استقلاليّة وحرية مصرفيّة سواء في التسهيلات الّتي تمّت بأكثر من 6 % رغم ارتفاعات أسعار الفائدة، أو في التحويلات الماليّة من وإلى خارج المملكة بكلّ سلاسة دون أيّ تقييد أو عقبات، وقد تكون هذه أفضل رسالة طمأنينة لأيّ مستثمر في البلد.
البنك المركزيّ مؤسّسة اقتصاديّة راسخة بتقاليدها الإداريّة وسياستها الناجعة، لذلك هي تحظى بثقة عالية في المجتمع، وحديث المحافظ الأخير، خطاب اقتصاديّ وازن ورشيد مبنيّ على معلومات وسياسات حصيفة لها تقديرها ليس فقط داخليّاً وإنّما أيضاً خارجيّاً.