ماهر أبو طير - يتعرض كل رئيس لمجلس النواب الى حملات ناقدة ولاسعة، سواء لاعتبارات شخصية، او على صلة بأداء ذات الرئيس، في موقعه، او حتى خلال كونه نائبا، وهذا امر بات شبه طبيعي.
شهدنا هذه الحملات على رئاسة النواب السابقة، اي النائب عبدالمنعم العودات، والنائب عبدالكريم الدغمي، وشهدنا مثلها على الرئيس الحالي احمد الصفدي، ولو عدنا الى اسماء ثانية، لوجدنا ان احدا لم يسلم، وربما السوشيال ميديا، زادت طبيعة النقد وحدته، وهو نقد قد يكون مقبولا، وقد يتجاوز الحدود من حيث طبيعة تحليل المشهد، او رمي الرؤساء بقصص مختلفة، على خلفيات سياسية او شخصية، او بسبب الاصطفافات، او التقييمات.
في كل الاحوال تكمن المشكلة الاساسية، في النظرة الى البرلمان ذاته، قبل الرؤساء، وهذه نظرة سلبية تشكلت عبر سنوات طويلة، بسبب ما يمكن وصفه حالة المهادنة بين البرلمانات والحكومات، وهي حالة يبررها النواب بكونهم لا يستطيعون ممارسة دورهم الرقابي والتشريعي بأعلى درجاته فيما قواعدهم التي انتخبتهم تنهمر طلباتهم كل يوم، وهو مشهد يزيد القصة تعقيدا، فلا يعقل ان يهاجم النائب وزير الصحة ليلا، ويرجوه في معاملة مريض في الصباح التالي، في بلد لا يمكن ان نفصل فيه العمل العام، عن العلاقات الشخصية، وتأثيرها المباشر هنا.
عملية توليد البرلمانات في الاردن من خلال الانتخابات تجري بطريقة تقبل الغمز، من حيث توصيف كثرة منا، انها تقترب من التعيين وليس الانتخاب، وقد شهدنا في برلمانات سابقة، تدخلا سافرا اعترف بشأنه مسؤولون في وقت لاحق، الى الدرجة التي بارك فيها مسؤول كبير ذات يوم لكثيرين قبل يوم الانتخابات، ذات زمن، على طريقة نظام عربي شمولي مجاور، كان يقدم خدمة اعلان النتائج قبل الفرز، وهي خدمة عز نظيرها في شرق المتوسط.
في تقييمنا لاداء النواب بتنا ننتقد حتى اصحاب الصوت العالي والمعارضين، برغم جهرهم في مرات بالحق والحقيقة، لكن العبرة بالنتيجة وليس بالحدة او الصراخ، والنتيجة هنا..لا شيء، لان الاغلبية لها السيطرة، فيما الحكومات على الاغلب لا تقف عند الصوت المرتفع، وتعتبر التجاوب مع هذه الانماط، خضوعا لا يمكن تمريره كونه سيكون نوعا من الانصياع لهذا النائب او ذاك.
في المحصلة فإن تقييم هذا الرئيس او ذاك، يجب ألا يعزل طبيعة المرحلة، وطبيعة كل البرلمان، وان تكون الجرأة على رئيس ما، حالي او سابق، بذات المعايير العادلة والمتساوية، دون جرأة على اسم، وتراجع امام اسم ما، فالانتقائية هنا، ستعبر فورا عن اجندة شخصية، وخفة سياسية، وجرأة وتطاول على شخص دون غيره، ولو كانت المعايير عادلة لتوجب تطبيقها على كل رؤساء البرلمان، بذات الدرجة، وبنفس الدوافع، مع عدم إلغاء تأثيرات المرحلة، المعلنة وغير المعلنة.
نحن هنا في الشرق، نحب ونكره، ونوزع الالقاب وفقا لمشاعرنا، والصورة القلبية التي نصنعها، فهذا قوي وشرس، وذاك محبوب ومهيوب، وثالث لا يستحق موقعه لمجرد انه لم يكن متوقعا، ورابع غير جدير فقد كان حزبيا وتاب من حزبيته، وسادس صوته ناعم، وسابع معطر، وهكذا تتلون التقييمات باعتبارات متباينة، مما يجعلنا نسأل عن الطريقة التي ندير بها مواقفنا ؟.
في حوار مسائي على مشارف السلط العزيزة قال لي صديق وازن، ان اهم رئيسين للنواب كانا الراحل عبداللطيف عربيات، والراحل عبدالهادي المجالي، واذا كان لهما حقا هذا الوزن الذي لا يختلف عليه احد، فإننا ايضا نعيد التذكير بكون المراحل تصبغ الاشخاص والاسماء في هذا البلد، والبلد الذي استوعب الراحل عربيات ذات يوم، لم يعد يستوعب شخصا من طرازه وبخلفيته السياسية اليوم والمعنى اننا نعبر كل مرحلة بطريقة مختلفة، لها حساباتها غير المعلنة، وهذه الحسابات هي التي قد تفسر قدوم شخص ما او خروج شخص ما من موقعه في كل المؤسسات.
كل ما نحتاجه اليوم، ان يسترد النواب موقعهم الدستوري، بوظيفتيه الرقابية والتشريعية، وان تسترد كل المؤسسات توصيفها الوظيفي الاصلي، كما هو مفترض، وان نخرج من قصة المراحل وحزمها المختلفة، وهي حزم تترك تأثيرا مباشرا في الاختيارات والاسماء والاشخاص.
هنا تصنع المراحل الاسماء، وقد اندثرت القاعدة التي كان تقول ان الاسماء هي التي تصنع المراحل.
غفر الله لنا ولكم.