لاحظنا مؤخرا وللأسف عودة قوية لما يسمى بالعنف الجامعي لساحات جامعاتنا الأردنية تمثل بمشاجرتين طلابيتين كبيرتين وقعتا في رحاب جامعتي اليرموك والأردنية تمخض عنهما بعض الإصابات بين الطلبة وتحشدات من بعض أقارب الطلبة خارج الجامعتين.
وإذا ما أمعنا النظر فيما يعرف بالعنف الجامعي بشكل خاص، فسنجد أن هناك مجموعة من الأسباب والمنابع التي تدفع الطلبة إلى القيام بتصرفات مشينة رعناء تجعلهم يحملون العلم بيد والفأس والخنجر باليد الأخرى.
بادئ ذي بدء، فإن ظاهرة العنف الجامعي لا تبدأ بالجامعة فقط بل هي ناشئة عن إحتقانات نفسية تأصلت لدى الشباب في البيت والمدرسة. فهناك من أولياء الأمور من لا يعملون على تدريب أبنائهم على مهارات التواصل الإجتماعي, وكذلك لا يعملون على زرع بذور الخير والتسامح لديهم بل يحضونهم على اخذ حقهم بالقوة ورد الصاع صاعين لكل من يتعرض لهم. وأما بالنسبة للمعلمين فما زال بعضهم يؤمن بالضرب المبرح والإهانة والإذلال كوسائل مشروعة للتربية غيرعابئين بالبحث عن وسائل أكثر تحضرا قد تفي بالغرض.
أما بخصوص العشائرية فلا شك أن هناك إطرافا تعمل على تغذية النعرات العشائرية وحتى الإقليمية والطائفية والمناطقية مع أن العشائرية في الأصل تدعو إلى الألفة والتراحم والتواد ولم تكن في الماضي سببا أو منبعا رئيسيا لظاهرة العنف الجامعي, فقد كانت الجامعات وحتى أواسط الثمانينيات مراكز نشطة للحراك الإجتماعي ومنبرا للعمل الوطني بعيدا عن كل الحساسيات.
وفيما يخص السياسات التي تنتهجها الجامعات في إدارة الحراك الشبابي والهيجان الطلابي فهي بلا شك قاصرة وتحتاج لإعادة نظر، فالجامعات لا تركز مثلا على موضوع البحث العلمي الذي يزود الطلبة بمعلومات مفيدة ويشغل فراغهم ويعودهم على الصبر والتحمل. كذلك فعمادات شؤون الطلبة في الجامعات لا تعمل بشكل كاف على إشغال الطلبة وتعبئة أوقات فراغهم من خلال الأنشطة الرياضية والثقافية وعقد الورش والندوات التوعوية بشكل منتظم. وفي هذا السياق يجدر بالجامعات إدراج مساقات إجبارية لخدمة وتنمية المجتمع تقدم للطلبة فرصا ثمينة للإحتكاك المبكر بسوق العمل وتلمس مصاعب الحياة وسبل حلها. كذلك فان ما يحدث أحيانا من ظلم في وضع العلامات قد يجعل الطالب في حالة إستنفار دائم ونفسية متعبة قد تؤدي بة للدخول في أي مشكلة يفرغ بها ما يعانيه من إحباطات، وهذا يستوجب إعادة النظربأساليب التقييم التقليدية المتبعة في الجامعات.
أما بخصوص الإختلاط فاعتقد أنه أيضا ربما يكون أحد المنابع الرئيسية لما يحدث من عنف جامعي, إذ يأتي غالبية الطلبة من مجتمعات محافظة لا تؤمن بثقافة الإختلاط, وبا لتالي ينبهر الطالب أو الطالبة بأجوائه الجديدة ويجد نفسه غير قادر على توجيه مشاعره وانفعالاته بشكل مناسب.
أما الوضع الاقتصادي والتباين الواضح في دخول الطلبة الأردنيين فقد يكون أحد المنابع الرئيسية للإحتقانات النفسية والغل والحقد. فهناك من الطلبة من يدفعه مستواه المادي المرتفع إلى التباهي وحب الظهور على حساب زملائه الآخرين مما يخلق حالة من النقمة والبغضاء.
وفي النهاية، فلا بد من وقفة جادة من كافة الأطراف للوقوف على أسباب العنف الجامعي وتجفيف منابعه والعمل بإخلاص وحسن نية لخلق بيئة جامعية جاذبة تعمل على إكساب الطلبة العلم والمعرفة والعادات الحميدة وتقنعهم بنبذ العنف مقتدين بقول الرسول عليه السلام: " أقربكم مني يوم القيامة أحسنكم أخلاقا" والنظر للآخرين نظرة احترام وأخوة إهتداءا بقول الرسول عليه السلام أيضا: "كلكم من ادم وادم من تراب"....والله ولي التوفيق.