زاد الاردن الاخباري -
بعد عدم إتمامها متطلبات النجاح للصف العاشر ظن والد “آية” أن جلوسها في المنزل أنفع من ذهابها يوميا للمدرسة، وهو ما أكدته “آية” لتتوقف عن مجاراة أقرانها سنة دراسية كاملة، لكنها استدركت فيما بعد أن تلحق بركب القطار الذي بدأ يمضي سريعا.
وعلى حين يقظة، قررت استئناف التعلم والتسجيل لامتحان الثانوية العامة لتتفاجأ بأن تعليمات امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة تحول دون تقدمها للامتحان إلا بعد ثلاث سنوات من اجتياز الصف العاشر.
كان وقع هذه التعليمات عصيبا على “آية”، فثلاث سنوات تعتبر زمنا طويلا ضائعا وخارج عمرها، إلا أنها مع ذلك سجلت بنظام الدراسة المنزلية وتمكنت من الحصول على شهادة الصف العاشر بنجاح لتبدأ بعدها بالعد التنازلي للسنوات الثلاث المنتظرة.
تقول “آية”: حاولت أثناء هذه المدة تلقي دورات تدريبية فقط لـ “قتل الوقت”، ورغبة في شق طريقي والعثور على فرصة عمل تخفف عني ضغوطات الفراغ والإحباط، لكنني “اكتشفت أن فرص العمل في هذه السن ودون مؤهلات علمية ما هي إلا غوص في مستنقع آسن، حيث أني تعرضت بعد حصولي على شهادة في فن التجميل لاستغلال صاحبة أحد صالونات التجميل، فقد أوهمتني بأن أبجديات المهنة لا بد أن تبدأ بكنس الشعر وغسل فناجين القهوة”.
“آية” تجاوزت بصعوبة التحديات النفسية والمجتمعية خلال ثلاث سنوات (الإجبارية) قبل أن يسمح لها بالتسجيل لامتحان شهادة الثانوية العامة (التوجيهي)، لكن هذه الاستراحة “غير المريحة” كانت كافية كي يفتر حماسها للدراسة، لكنها كما تقول ما تزال تكافح لتجاوز هذا التحدي والحصول على شهادة (التوجيهي) لاستكمال دراستها الجامعية.
“ليس بالإمكان حصر أعداد الطلبة الذين توقف تعليمهم بعد العاشر لأن التعليم الثانوي غير إلزامي” وفقا للناطق باسم وزارة التربية والتعليم الدكتور أحمد المساعفة، “بينما يعتبر الطلاب الذين لم يواصلوا تعليمهم قبل هذا الصف ضمن الطلبة المتسربين من كافة الصفوف المدرسية”، في حين يشير مدير إدارة الامتحانات في الوزارة محمد كنانة إلى توجه لدراسة استثناء الحاصلين على شهادة الصف العاشر منزليا ممن تجاوزوا العشرين من عمرهم من الفاصل الزمني الذي نصت عليه التعليمات والسماح لهم بالتقدم لامتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة.
وتشير الفقرة “د” من المادة 9 من تعليمات امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة لسنة 2017 إلى أنه من ضمن الفئات التي يسمح بتقدمها للامتحان العام من يحمل جواز سفر أردنيا أو البطاقة التعريفية لأبناء الأردنيات وأمضى ثلاث سنوات دراسية بعد إنهائه بنجاح مرحلة التعليم الأساسي (أو ما يعادلها).
التسرب المدرسي.. فئات وحلول
وكان المجلس الأعلى للسكان عرف التسرب المدرسي في “ملخص سياسات أثر تسرب الطالبات من المدارس على المشاركة الاقتصادية للمرأة والصحة الجنسية والإنجابية في الاردن 2020” بأنه “ترك البرنامج التعليمي قبل إتمام متطلبات إنجازه”.
وحسب المخلص يصنف التسرب الى “كلي وجزئي” و “تسرب نوعي”، أما الأول فيتمثل بـ “الهروب من المدرسة والغياب المتكرر عنها، وأما التسرب النوعي فيتجزأ لكل من التسرب المعنوي والذي يعبر عنه الاستعداد النفسي للتسرب، والتسرب المادي بحيث يتدخل الوضع الاقتصادي في الحيلولة بين الطلبة والتعلم”.
واقترح الملخص عددا من السياسات الضرورية لمعالجة هذه المشكلة من خلال التعرف على الأسباب المؤدية إليها ومعالجتها، إضافة إلى معالجة الآثار السلبية للتسرب على الصحة الجنسية والإنجابية للمرأة ووضع خطة توعية شاملة لبيان خطورة زواج الفتيات دون سن 18، إلى جانب تشجيع وإدامة برامج التغذية المدرسية وخاصة في المناطق الفقيرة.
رئيس قسم الإرشاد بوزارة التربية والتعليم عامر الشياب، يؤكد أن كل من هو ضمن عمره الزمني يتمكن من العودة للدراسة النظامية على مقاعد الدراسة وبالصف الذي يستحقه بحيث يلتحق بالصف الجديد بعد أن يثبت إنهاءه الصف السابق بنجاح وضمن الفترة المسموح بها بالدراسة المنزلية.
أما إذا كان الطالب ضمن الأعمار الصغيرة فيجري إلحاقه بالبرنامج الاستدراكي حيث يتم دمج كل سنتين بسنة لتقليل الفجوة الزمنية بينه وبين أقرانه وإذا ما طابق عمره في هذه المرحلة الطلاب النظاميين فيحول للدراسة كطالب نظامي ضمن المدارس النظامية في أي مدرسة يجدها مناسبة، مشيرا إلى توفر مدرسة وحيدة تقع منطقة الوحدات لهذا الغرض.
إجراءات وقائية وعلاجية
تظهر خطة وزارة التربية والتعليم الموضوعة للحد من التسرب المدرسي أسلوبين للتعامل مع هذه الظاهرة؛ الأول وقائي ويتضمن مجموعة من التدابير والإجراءات الوقائية، والثاني علاجي يهدف للحد من المشكلة من خلال تنفيذ العديد من برامج التعليم غير النظامي.
وتضمن الأسلوب الوقائي محورين رئيسين هما الإجرائي ويتمثل بمجموعة الإجراءات الوقائية والثاني خدمي يتعلق بالخدمات التعليمية مثل تقديم العديد من برامج التقوية للمحافظة على جودة التعليم، ووقاية الطلبة من احتمالات الفشل والحد من التسرب.
وتشير الخطة الى توفير الوزارة للخدمات التعليمية للأطفال والشباب من غير الملتحقين يالتعليم، وكذلك المتسربين والأميين من الرجال والنساء والفتيات من خلال مجموعة من الخدمات والبرامج التعليمية.
ووفقا للخطة يتم توفير الخدمات التعليمية من خلال تنفيذ “برنامج تعزيز الثقافة للمتسربين” بهدف إعداد وتأهيل المتسربين من التعليم من عمر 13-18 للذكور، وفئة 13-20 إناث من خلال تزويدهم بالمعارف والخبرات، وإكسابهم المهارات والاتجاهات التي تمكنهم من بناء ذاتهم، وتبلغ مدة الدراسة في البرنامج عامين ويتكون من 3 حلقات تعليمية مدة كل حلقة 8 شهور، ويستطيع الدارس بعد تخرجه من البرنامج الحصول على وثيقة (شهادة) تخرج تمكنه من التسجيل في مؤسسة التدريب المهني أو إكمال دراسته كدارس غير نظامي.
في حين تتوفر الخدمات التعليمية أيضا من خلال تنفيذ برنامج التعليم الاستدراكي كأحد البرامج العلاجية لمشكلة التسرب، حيث يهدف البرنامج إلى تزويد الأطفال المتسربين والأطفال غير الملتحقين بالتعليم من عمر 9-12 بالمعارف والمهارات التعليمية الأساسية التي تمكنهم من مواصلة تعلمهم من خلال إحالتهم لاحقاً إلى التعليم النظامي أو غير النظامي بحسب أعمارهم، ويتكون البرنامج من 3 مستويات مدة كل مستوى عام دراسي كامل.
المدير التنفيذي لمؤسسة “تويست سكوب- الأردن” معن ريان يشير الى برنامج التعزيز الثقافي للمتسربين من المدارس والذي بدأ عام 2003 بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، بحيث يستهدف الأطفال خارج النظام التعليمي.
وأكد أن البرنامج يطبق في 204 مراكز تتوزع على 3500 مدرسة في محافظات المملكة، مشيرا الى أن حوالي 250 ألف طفل تخرجوا من هذا البرنامج.
وأكد ريان أهمية هذا البرنامج في تغيير حياة المتسرب، “من طفل في الشارع وآخر عامل أو معرض للخطر” بحسب تعبيره “إلى طفل يتطلع إلى المستقبل من خلال اقتناص ما يسمى بـ (الفرصة الثانية) التي تجعل منه فردا منتجا في المجتمع يعيش حياة صحية، مثالية وآمنة”.
وأوضح أن للبرنامج مناهجه الخاصة ومنهجية تعليم خاصة به هي “منهجية التعلم التشاركية” التي تقوم على أساسين هما التعليم من خلال الحوار، وأن الطفل هو محور العملية التعليمية والمعلم هو ميسر”.
وفي دراسة أجريت على أثر منهجية التعلم التشاركية على التعليم النظامي، يشير ريان الى أنه تبين أن المعلمين القائمين عليها والذين تلقوا تدريبات تصل إلى مئة ساعة تدريبية، نقلوا هذه المنهجية إلى الطلبة النظاميين، وكان ذلك بمثابة خطوة إيجابية جدا في تقليل حالات التسرب من المدارس، كما كان لها أثر في زيادة التحصيل العلمي والحضور، وتغيير في شكل العلاقة بين المعلم والطالب لتصبح صحية أكثر.
ومن وجهة نظر ريان أدت الأزمات التي حدثت وموجات اللجوء إلى ازدياد هذه الظاهرة، موضحا أن نسبة التسرب السنوي تقدر بـ 3 % للإناث و4 % للذكور وعند الحديث عن مدة تراكمية تقدر بعشر سنوات، فالأرقام تشير إلى حوالي 60 أو 70 ألف طالب، حيث تعمل وزارة التربية والتعليم على حصر أعداد الطلبة المتسربين الذين ساهمت جائحة كورونا في ازدياد أعدادهم.
وبتقديره يعتبر الفقر والوضع الاقتصادي ونسبة البطالة في أي من بلدان العالم من العوامل التي تحكم ازدياد معدلات التسرب من المدارس، إذ تعد عمالة الأطفال سببا رئيسا للتسرب من المدارس إضافة إلى الزواج المبكر.
وفي ردها على استفسار أفادت وزارة العمل الى أن عدد الأطفال العاملين في المنشآت المختلفة الذين تم الكشف عنهم منذ بداية العام الحالي ولغاية 31 تشرين الأول بلغ 374 طفلا.
وأكدت أنه يتم تحويل الأطفال العاملين المكتشفين من قبل مفتشي الوزارة إلى وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم لتقوم وزارة التنمية الاجتماعية بدراسة الحالات وإدماجهم في المدارس بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم.
وأشارت الوزارة الى الاستراتيجية الوطنية للحد من عمل الاطفال 2022 – 2030 وخطتها التنفيذية للعام الحالي من قبل مجلس الوزراء والتي تحدد المهام والأدوار لجميع الجهات الرسمية وغير الرسمية العاملة للحد من عمل الأطفال والمحددة بإطار زمني، ويتولى المجلس الوطني لشؤون الأسرة مهمة المتابعة والتقييم لتنفيذ الاستراتيجية المذكورة، بالإضافة إلى الخطط السنوية لمديرية تفتيش العمل المركزية قسم تفتيش الحد من عمل الأطفال في الوزارة.
من جانبها تحدثت مدير الطفولة في المجلس الوطني لشؤون الأسرة مي سلطان عن الإطار الوطني للحد من عمل الأطفال قائلة، عمل المجلس في العام 2011 على إعداد النسخة الأولى من الإطار، وفي العام 2021 أطلق المسودة الثانية والتي تم إقرارها من رئاسة الوزراء.
ويعد الإطار وثيقة وطنية مرجعية تحدد أدوار ومسؤوليات الجهات للتعامل مع حالات عمل الأطفال لتقديم هذه الخدمات كلا حسب دوره واختصاصه لهؤلاء الأطفال وعائلاتهم، وإعادة دمجهم في الأطر التعليمية باعتباره الوضع الطبيعي الذي من المفترض تواجدهم ضمنه.
وأشارت سلطان الى أن المجلس يتطلع خلال العام القادم لدوره في متابعة الاستراتيجية الوطنية للحد من زواج الأطفال والتي تم إعدادها هذا العام من قبل وزارة العمل وإقرارها من رئاسة الوزراء.
حاجة ملحة لتحديث بيانات عمل الأطفال
رئيس بيت العمال للدراسات حمادة أبو نجمة أعرب عن الحاجة الماسة لتحديث البيانات الخاصة بعمل الأطفال لقياس مدى الأثر الذي سببته جائحة كورونا، حيث لا تتوفر سوى أرقام المسح الوطني لعمل الأطفال عام 2016 الذي كان يشير إلى أن عدد الأطفال العاملين في الفئة العمرية (5-17 سنة) بلغ حوالي 76 ألف طفل، بعد أن شكلت مشكلة عمل الأطفال تهديدًا صريحًا للبنية الاجتماعية مع ارتفاع معدل البطالة إلى مستوى قياسي.
ويشير إلى أن الأردن صادق عام 1989 على اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى اتفاقيتي العمل الدوليتين رقم (138) بشأن “الحد الأدنى لسن الاستخدام” عام 1997، ورقم (182) بشأن “حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال” عام 2000، واللتين تلزمان بتوفير التعليم الأساسي المجاني وإعادة تأهيل الأطفال العاملين ودمجهم اجتماعيا مع العناية بحاجات أسرهم، مؤكدا ان القانون الأردني جاء منسجما مع هذه المبادئ.
وترى المتخصصة في علم الاجتماع الدكتورة ميساء الرواشدة أن الفقر من أبرز الأسباب التي تدفع بالأطفال للتسرب من المدرسة والاتجاه إلى سوق العمل بعمر مبكر لإشباع حاجاتهم وحاجات أسرهم الاقتصادية خاصة في حالة فقدان من يعيلهم.
وأشارت الرواشدة الى أن هناك بعض المراهقين يتسربون من المدارس من أجل اللهو واللعب حيث لا توجد لديهم الرغبة بالدراسة وبعض الأسر عندما تلمس عدم جدية أبنائها بالدراسة تلجأ للبحث عن فرصة عمل لتشكل له مصدر رزق من خلال تعلمه لحرفة معينة.
وأكدت أهمية الأسرة العظيم بوصفها أهم المؤسسات الاجتماعية لتجنيب هؤلاء الأطفال نتائج تسربهم من المدرسة والدخول في سوق العمل وتعرضهم للتنمر أو العنف وحياة لا توائم أعمارهم.
التسرب لأجل العمل
“عمر” كما فضل تسمية نفسه، شاب يبلغ من العمر 17 عاما آثر مساعدة أهله في رعي الأغنام التي توطدت علاقته بها أثناء فترة “كورونا” على الاستمرار في الدراسة بالرغم من إصرارهم على متابعته لها إدراكا منهم بأهمية حصوله على شهادة جامعية تفتح له سبلا عملية في المستقبل، ولم تفلح نصائح الأقرباء بإصلاح ما أفسدته (كورونا).
من جهتها، اعتبرت الأستاذة المساعدة في قسم الاقتصاد بالجامعة الهاشمية الدكتورة آلاء البشايرة، سوء الظروف الاقتصادية المحرض الرئيس لعمالة الأطفال وقد ساعد على ذلك وجود القطاع غير المنظم في الأردن وهو المشغل الأكبر للأطفال.
ويُعرف القطاع غير المنظم بأنه عبارة عن افراد او شركات صغيرة تعمل وذات نشاط انتاجي في مجال السلع والخدمات لكنها غير مسجلة رسميا ولا تخضع لأي قوانين ناظمة للعمل ولا لمواصفات الجودة او السلامة العامة.
وأشارت البشايرة إلى تقديرات مركز القدس للدراسات السياسية في دراسة أجراها عام 2019 لحجم قطاع العمل غير المنظم البالغة نحو 27,4 % من الناتج المحلي الاجمالي في الأردن وهي نسبة مرتفعة، إضافة لتقارير عديدة صادرة عن منظمة العمل الدولية ومنظمة اليونيسيف لتوقعات زيادة حجم عمالة الأطفال بعد تداعيات ازمة كورونا وتفاقم سوء الأحوال الاقتصادية.
وأكدت البشايرة أن عمالة الأطفال تُبطئ عملية التنمية على المدى الطويل،حيث ان الطفل المتسرب يتحول الى عامل عادي ضعيف المهارات مقارنة مع طفل يتعلم ويكمل مساره التعليمي العالي ويكتسب مهارات وخبرات تجعل منه رأس مال بشريا.
واستنادا إلى استطلاع أجرته مؤسسة إنقاذ الطفل في الأردن لآراء مجموعة من اليافعين المشاركين ببرامجها حول رؤيتهم لشعار يوم الطفل العالمي لهذا العام “الشمول لجميع الأطفال” وكيف يمكن توفير فرص ومستقبل أفضل لجميع الأطفال، أكدت مديرة الإعلام والمناصرة في المؤسسة نادين النمري، أن ضمان الوصول إلى تعليم نوعي ومستمر ودامج يراعي احتياجات الأطفال واليافعين هو الأساس لخلق مستقبل أفضل لهم.
وأضافت، تعد التشريعات الوطنية وعلى رأسها الدستور الأردني التعليم حقا أساسيا فضلا عما نص عليه قانونا وزارة التربية والتعليم وقانون حقوق الطفل من حماية لحق الطفل في التعليم ومكافحة التسرب المدرسي.