الدكتور محمد علي صالح الرحاحله - اولا وقبل كل شئ فان هنالك حاجة ملحة وماسة لتنظيم عملية الاضرابات بقانون بحيث يحدد اليات ومراحل الاضراب وكيفية الاعلان عنه وان يبدا الاضراب بشكل تدريجي وعلى مراحل بينها فواصل زمنية معقولة، وذلك بعد ان تستوفى كافة الخطوات اللازمة لتفاهم الاطراف ذات العلاقة قبل الوصول الى مرحلة الاضراب بحيث يكون الاضراب هو الحل النهائي وبشكل متدرج بفواصل زمنية بين كل مرحلة واخرى، كان يبدا الاضراب بمدة لا تزيد عن ساعتين يلية وبعد اسبوعين مثلا مرحلة اخرى وهكذا، وكذلك تحديد قطاعات بحد ذاتها لا يسمح لها بالاضراب، وهذا معمول به في بعض الدول المتقدمة.
النقطة الرئيسية الثانية وهي الحاجة الماسة لتنظيم النقل العام بحيث يكون قطاعا منظما ومنتظما، بحيث لا يكون نقل عام فردي اي مملوكا لافراد بل على شكل شركات مساهمة او حكومية كاملة، والحقيقة ان النقل العام في كثير من الدول مملوك للدولة وليس للافراد، فالدولة هي التي تملك حافلات النقل العام وهي التي تشغلها وليس كما هو الحال عندنا وهذا من قبيل ان يكون النقل العام منظما وليس عشوائيا، وهذا ما اكدت عليه دراسات كثيرة خاصة تلك التي اعدها البنك الدولي عن قطاع النقل في الاردن والتي نصت على ادماج المشغلين بحيث يكون هنالك شركات كبرى تسير خطوطا منتظمة والابتعاد عن العشوائية في النقل العام لان اسمه نقل عام.
الفنقطة الثالثة والهامة والاهم هي الحقيقة المرة ان القرارات الاقتصادية كثيرا ما تكون غير شمولية ومن زاوية واحدة لا تاخذ صيغة القرارات الاستراتيجية التي تاخذ بعين الاعتبار كافة التاثيرات والاثار المترتبة على هذه القرارات على القطاعات او الفئات الاخرى سواء بشكل مباشر او غير مباشرخاصة التي تشكل جزء لا باس به من حياة المواطن الاردني.
النقطة المحورية وهي االاضرابات التي يقوم بها مشغلوا النقل او بالاخرى مشغلوا الخطوط المملوكة للقطاع الخاص سواء من اصحاب الباصات او تكسي السرفيس او غيرها من وسائل النقل. وهنا لابد من الاخذ بعين الاعتبار مايلي:
1. ان عملية الاضراب وان بدات بشكل عفوى غير منظم الا انها انتقلت بشكل او اخر لتتسع الى خطوط اخرى وفئات من وسائل النقل اخرى، واصبحت ككرة الثلج تتدرج وتكبر، وهذا يعني ان الامور قد تستغل من جهات معينة تشجع على الاضراب واستغلال الواقع لحث الاخرين على الاضراب وتعطيل حركة نقل الركاب بحيث تتسع لتشمل البلاد كاملة مستغلة براءة المطالب التي قد تكون مشروعة وصولا الى الاضراب الشامل في كافة مناطق المملكة وتعطيل الحياة فيها وهذه لها عواقبها الامنية غير المحمودة لا بد ان تاخذ بالحسبان.
2. تشير دراسات الاحصاءات العامة ان نفقات النقل حوالي 17% من دخل الاسرة الاردنية، وهذا يعني ان اي زيادة على اجور النقل سوف تؤدي الى رفع هذه النسبة بنفس نسبة رفع اجور النقل وحيث ان النقل ضرورية لا يمكن الاستغاء عنها، الامر الذي يؤدي الى اختصار انفاق الفرد على بنود اخرى وتحويلها الى الانفاق على النقل خاصة من قطاع الموظفين في القطاع العام والخاص. لذا يجب ان لا تكون الحلول مهما كانت على حساب المواطن العادي برفع الاجور.
3. ان زيادة على اجور النقل ماهي الا دفع المواطن نحو هاوية الفقر لا سيما بان معدل الرواتب في الاردن كما اعنلت دائرة الاحصاءات العامة بلغ 534 دينار شهريا وان معدل افراد الاسرة هو (4.8)، اي ان نصيب الفرد حوالي (3.7) دينارا يوميا اي ما يعادل 5.3 دولارا وبما ان خط الفقر المعتمد من البنك الدولي للدول التي مثل الاردن هو 5.5 دولارا فهذا يعني ان حوالي نص الاردنيين يعيشون تحت خط الفقر وزيادة الاجور يعني زيادة نسبة الفقر بشكل كبير.
4. الحقيقة المرة ان أصحاب الباصات رفعوا الأجور فعلا واعتبار من يوم الامس وحسب قولهم ان قرار رفع الأجرة اتخذ ولم يعلن ولكن اعلموا به من جهات رسمية، لذا عادوا الى العمل، فمثلا اجرة الباص التي كانت 35 قرشا اصبحت 45 قرش أي بزيادة مقدارها حوالي 29% وهذا يعني ان تكاليف المواصلات سوف تصبح حوالي 22% من دخل المواطن الأردني، وهذا له انعكاسات على المستوى المعيشي ناهيك عن زيادة الانفاق على محروقات التدفئة وبذلك قد يصل الى حوالي ربع الدخل.
5. ان ارتفاع في اجور النقل سوف يؤدي الى تراجع القطاعات الاخرى، وانتشار الكساد فيها وهذا سوف ينعكس سلبا على النمو الاقتصادي الكلي وبالتالي على ايرادات الدولة من ضريبة المبيعات.
6. ان ارتفاع المحروقات اكتوى بها المواطن كل مواطن موجود على الارض الاردنية بعض النظر عن دخله ووضيفته سواء كان يتسعمل سيارته الخاصة ام المواصلات العامة. و بالتالي فان تعويض فئة دون اخرى من فئات المجتمع خرق للدستور وتساوى الاردنيين امام القانون.
7. مع بداية فصل الشتاء والحاجة الى التدفئة وبالتالي فان ارتفاع اسعار المحروقات ورفع اجور النقل يعني دفع المواظن الاردني الى دون خط الفقر وزيادة اعداد من هم دون خط الفقر وهذا بحد ذاته له عواقب امنية اجتماعية وخيمة وكبيرة.
ان الحكومة باعلانها على دفع مساهمات لقطاع النقل يعني امرين وهما:
الاول انها تحابي قطاعا على القطاعات الاخرى وهذا غير عادلا، فلماذا لا يتم التعويض على اصحاب السيارات الخصوصية وسيارت نقل البضائع والاليات الانشائية وغيرها؟ اليس الموظف الذي يملك سيارة خاصة يتحمل تكاليف اضافية نتيجة ارتفاع المحروقات وهو يقع كما اسلفنا تحت خط الفقر؟ اليس هؤلاء مواطنون اردنيون؟ اليس تدفئة المنزل من اولويات الحياة؟ وان البرد يؤدي الى امراض كثيرة سوف ينعكس ذلك على انفاق الحكومة كما الافراد على الادوية وغيرها؟.
والثاني ان الحكومة بلا شك تحقق ارباحا كبيرة نتيجة رفع المحروقات، وبالتالي فهي تضحى بحزء من هذه الارباح في سبيل الحصول على ايرادات اكثر لتدفعها على فئة معينة، هذه المساهمات والارباح التي يتكبدها بقية المواطنيين الاردنيين.
ما من شك انه هذا كله له انعكاسات واثار كثيرة سواء اكانت امنية او تفشي الامراض المجتمعية التي زادت خلال الفترة الأخيرة نتيجة فترة الكورونا ولا شك ان التداعيات الأمنية لا بد ان تكون هي الأساس في اتخاذ قرار رفع الأجور المواصلات الذي طبقه أصحاب الباصات اليوم.
اخيرا نحن بحاجة الى خطة استراتيجية لقطاع النقل العام وقانون ينظم الاضرابات وكذلك الى نماذج اقتصادية كلية لقياس أثر كل قرار اقتصادي على القطاعات الاخرى سلبا او ايجابا وبالتالي وضع حلول للاثار السلبية قبل اصدار القرار.
لذا وبناء على ما سبق فان المساس بجيب المواطن من خلال رفع الأجرة هو قرار غير حكيم وينظر للامور من زاوية ضيقة وقد يؤدي الى عواقب غير مستحبة، فالاصل خفض أسعار المحروقات لا سيما وان الأردن هو اعلى دولة عربية ورقم 40 عالميا بأسعار المحروقات.