في اللغة العربية معنى الطيش الاضطراب والانحراف ، وأجزم أنّ أمتنا العربية مضطربة ومنحرفة ، فكل واحد يريد من الآخرين أن يكونوا على مبدئه وعلى هواه ، إن كان سياسيا محترفاً أم دينيا متزمتاً ، وكثير من الناس يعتبرون نفوسهم على جادة الصواب والآخرون على خطأ ، فلا نحترم الرأي ولا الرأي الآخر ولا نجيد لغة الحوار ولا نقبل أن يخالفنا أحد في الرأي والمبدأ .
نحن أمة تطيش على السراب ، تعيش على الأوهام ، تسرح في الخيال ، تساير الكذب وتصفق للكذابين والمزايدين ، لا تريد أن تعيش الواقع ولا ترضى على أحد يواجهها بالحقيقة ، وبسبب ذلك نبقى دائما الخاسرين ،، فبمجرد أن يرفع شخص علما في مباراة أو مسيرة ، نغني ونفرح بأن فلسطين قد تحررت وأن اسرائيل قد انهارت أو على وشك الزوال ، فنحن إذن أمة تجيد التطبيل والتزمير ، وتسرح في الخيال بأن اسرائيل استنفرت جيشها بسبب رفع علم ، وأن أمريكا لذات السبب أوعزت بتحريك أساطيلها في البحار ، وأوروبا دعت الى عقد اجتماع طارئ لدول اتحادها ، ثم ينهض شعراؤنا لينظموا القصائد الجيّاشة وينطلق الكتّاب والأدباء لعقد الندوات ، وينبري السياسيون لإلقاء الخطب النارية ، وتنفلت الجماهير لإقامة المهرجانات وتنظيم المسيرات وتعطيل الحركة في الطرقات ، وإعلامنا العربي المهلهل يبقى يتسلى على مثل هذه القصص .
ولأني متابع بشكل يومي وفي كل وقت للمشهد العبري ، فلم أقرأ في إعلامهم عن عقد مؤتمرات ولا مهرجانات ولا ندوات ولا حلقات أدبية ولا شعرية ، بل هناك لديهم اجتماعات محصورة لمناقشة القضايا الطارئة ، تجري في قاعة محدودة وليس في قاعات عامة أو فنادق كبيرة تكلفهم آلاف الدولارات .
أقسم بالله أني ذهبتُ في يوم من الأيام الى أحد فنادق خمسة نجوم بعمان لتغطية مؤتمر صحفي لمدير إحدى المؤسسات الحكومية ، وفوجئتُ بأني الشخص الوحيد الموجود في القاعة الفاخرة ، الى جانب المدير وحاشيته المنافقين ، وكانت تكلفة تلك القاعة ثلاثة آلاف دينار ، قيمة الحجز والطعام والحلويات والعصائر ، فطلب مني ذاك المدير إجراء مقابلة معه ، فقلت لعطوفته : هذا الخبر الذي دعوتَ لأجله في الفندق يمكن إرساله بالفاكس الى الوسائل الإعلامية ومن غير تكاليف ، فردّ قائلا ، يكفيني حضور التلفزيون الأردني وأرجوك ان تجري معي المقابلة ومن خلفي يافطة الدعوة ، وهنا تذكرت الشطرة الثانية من بيت شعر للمتنبي : أغاية الدين أن تحفوا شواربكم ... يا أمة ضحكت من جهلها الأمم !!!