زاد الاردن الاخباري -
أتى حضور الملك لتقديم واجب العزاء في العقيد عبد الرزاق الدلابيح ليؤكد على أسلوب جلالته في الاشتباك مع قضايا الوطن، من غير تأجيل أو تسويف، وبكامل الحضور والاهتمام، وهذه الذهنية لم تستطع كثير من الحكومات والمسؤولين أن يرتقوا لها، والحضور يأتي في القضية الوطنية الشاملة التي لا تتوقف عند فئة ولا يمكن أن تصنف مسألة تختلف حولها وجهات النظر، ولذلك، فالنظر إلى حادثة استشهاد أحد رجال الأمن رفيعي المستوى أثناء تأدية واجبه بوصفها مصاباً وطنياً عاماً وقضية تستدعي اهتمام الجميع هو المعنى الجوهري للحضور الملكي، واستماعه من المسافة صفر، لأحاديث ذوي الفقيد، والتي تعبر عن رأي وتوجه الأردنيين جميعاً في لحظة لا يأتي الحديث خلالها إلا صادقاً ومخلصاً.
يعلن الملك بوضوح وحسم، وفي زيه العسكري، أن التعامل سيكون حازماً مع محاولات رفع السلاح في وجه الدولة الأردنية، لأنه يستهدف جميع الأردنيين، ويمس أمنهم وسلامهم، وأن الأجهزة الأمنية ستقف في وجه الاعتداءات وأعمال التخريب، وبنفس أسلوب الحديث الأردني الملم بتقاليد الأردنيين وتفكيرهم وهمومهم وما يجيش في صدورهم، بقول الملك لذوي الشهيد: "هذا ابني وابن كل الأردنيين، ولن يهدأ لنا بال حتى ينال المجرم عقابه أمام العدالة على جريمته النكراء"، وهو الأمر الذي يعني ايعازاً للأجهزة الأمنية بسرعة التعامل في عملية البحث عن المجرم الأثيم، والوقوف على خلفياته، لما يشكل ذلك من ضرورة وطنية للوقوف حول دوافع ومصالح فئة تستغل الظروف الراهنة لتنال من الأردن وأمنه واستقراره، وهو الأمر الذي لا يمكن التهاون معه، أو التساهل بخصوصه.
تتبدى في حديث الملك الثقة في طبيعة الشعب الأردني، فيؤكد على حقوقه في التعبير عن الرأي بالوسائل السلمية وضمن القانون، وهو ما يؤكد أن الشعور بعمق الأزمة الاقتصادية المندفعة بظروف عالمية غير مسبوقة يحضر في ذهن الملك، وأن عمليات التسيير والطموح المحدود لا تتوافق مع الرؤية الملكية التي تبحث عن تمتين الدولة من الداخل والتوجه إلى القطاعات المنتجة التي تعزز من الأمان الاجتماعي، فالرؤية الملكية تقوم على أساس حماية الجميع وبمن في ذلك من يمارسون حقوقهم في التعبير بالوسائل السلمية، وحماية المجتمع ككل من أية محاولات لتضليله وخلخلته واستهدافه من خلال الشعارات المجانية التي لا تقوم على أرضية وقائع حقيقية.
الظروف الاقتصادية الصعبة ليست الأولى من نوعها التي تواجه الأردنيين خلال أكثر من ثلاثين عاماً، ولا ترتقي إلى أزمة 1989 في عمقها أو آثارها، ولكنها تستدعي أن توظف من أجل المضي قدماً في الإصلاح الاقتصادي والسياسي بصورة متوازية، فالإصلاح السياسي هو الذي سيوفر النخب التي تستطيع أن تقف مع المشروع الملكي وتحيد قوى الشد العكسي، والإصلاح الاقتصادي سيكون بمثابة جني الثمار لمباشرة عملية تنمية تقوم على مبادئ الاعتماد على الذات والشفافية والمشاركة.