أولويات غالب الإقليم في هذه المرحلة هي: الاندماج الاقتصادي أو المشاريع الكبرى، إيران، التطرف، وخطاب الكراهية مرفقا بحملات المعلومات المضللة. اختلفت قليلا هذه الأولويات عن مرحلة ما بعد الحرب الباردة؛ حيث كانت: انتشار أسلحة الدمار الشامل، الإرهاب، الدول المنهارة، الاستقرار الإقليمي، والمشاكل العابرة للحدود. خريطة الأولويات والتحديات تتبدل وتتغير اليوم مع تنامي الإدراك أن التعاون والتكامل أفضل للجميع، ويستفيد منه الجميع، وأن الاقتصاد وخلق حالة اعتماد متبادل هو المفتاح لكل التحديات الأخرى.
التطرف لم ينته وإن أفلت داعش. ستطل برأسها من جديد وبشكل آخر إن لم نستمر بحربنا على التطرف والتعصب والإرهاب. إيران ما تزال دولة مصدرة للمشاكل واللااستقرار تريد أن تهيمن على الإقليم عن طريق خلق أذرع لها في دول شتى مطيحة بالاستقرار في تلك الدول. إيران تفعل ذلك وإن كان على حساب رفاه شعبها واستقراره، الذي يعاني الأمرين بسبب سلوك النظام الإيراني غير السوي، ولو عقلت إيران وأرادت أن تجلس على طاولة القرار الإقليمي لفعلت عكس ما تفعل الآن. خطاب الكراهية وخطاب التحريض والتأليب منتشر بشكل مرعب بالإقليم، مصحوبا بأطنان من نظريات المؤامرة، وهذا كله شر لأنه يعيق تقدمنا وتفهمنا لبعضنا بعضا وانطلاقنا كمجتمعات تستحق النماء والتطور.
التعاون الإقليمي الاقتصادي قد يكون المفتاح للخلاص من كثير من شرور المنطقة، التي تعد البطالة والفقر تحدياتها الأمنية الأساسية، فهي التحدي الحقيقي للاستقرار وليس الصواريخ العابرة للقارات. ثمة قناعة إقليمية متزايدة بضرورة الاستثمار بالاندماج الاقتصادي والتنمية الشاملة، ولكن ذلك يواجه بمعضلات وتحديات سياسية تعيق الاندماج الاقتصادي. الأردن، مثلا، يؤمن أن أي مشاريع اقتصادية إقليمية لا بد أن يكون الفلسطينيون جزءا منها، وأن ذلك الإدماج للفلسطينيين اقتصاديا لا يجب أن يكون على حساب حقوقهم السياسية العادلة. تعامل الأردن مع ملف اجتماعات النقب يفسره هذا الموقف الأردني المنطقي المتسق.
إسرائيل بالمقابل تريد السير بالاندماج الإقليمي الاقتصادي من دون الفلسطينيين، وأقنعت بعض الدول العربية بذلك. هنا يتضح التعارض السياسي الذي يبطئ التكامل أو الانطلاق الاقتصادي المؤمل.
مثال آخر هو قانون قيصر، الذي لا يبدو تمخضت عقوباته عن أي نتيجة، وما يفعله عمليا أنه يعاقب حلفاء وأصدقاء أميركا الملتزمين به، يحرمهم من فوائد اقتصادية. تجدر مراجعة هذا القانون لأنه إضافة الى أنه غير فاعل ومؤذ للأصدقاء، فهو أيضا يدفع سورية للتقارب أكثر من إيران.
الأمثلة عديدة، يمكن اتساق كيف أن ثمة معيقات سياسية حقيقة تقف بوجه الاندماج الاقتصادي الإقليمي، رغم قناعة الجميع أن الاقتصاد والاعتمادية المتبادلة سينتفع منهما الجميع. الأردن كان وما يزال سببا ومصدرا للخير في الإقليم، يفعل ذلك بكل أدواته السياسية والدبلوماسية والعسكرية والأمنية، ومواقفه العاقلة من الاندماج الاقتصادي الإقليمي يجب أن تؤخذ كنصيحة من حليف وصديق، وهو هنا يرى أن استثناء الفلسطينيين والسير فقط بالاندماج الاقتصادي مع إسرائيل وحدها دون الفلسطينيين ليس من الحكمة في شيء، وهو في غير مصلحة لا العرب ولا إسرائيل ولا الفلسطينيين.