عاهد الدحدل العظامات - كل الاردنيين من شتى إصولهم ومنابتهم وطبقاتهم يتفقون على مبدأ راسخ في الأذهان لا خلاف ولا إختلاف عليه. هو أن دم الأردني على الأردني حرام مهما تعاظمت الظروف, ومن يُصرّ بأفعاله عكس ذلك فإنه لا ينتمي للهوية الأردنية لا من قريب ولا من بعيد.
فقطرة الدم الأردنية تروي ثراه الطاهر عندما يواجه الوطن خطراً خارجياً, هُنا يكون لزاماً على كل أردني غيور على وطنه أن يحمل كفنه بيمينه وسلاحه بيساره, لأن الدماء هُنا تبدوا رخيصة أمام وطن بحجم الأردن الذي لطالما واجه بصلابة ظروفاً أحنك مما يمرُّ فيها اليوم.
لا أحد يختلف وجميع مكونات الدولة تعترف بواقع الحال وضنكه والتأثيرات السلبية القاهرة التي تعصف في حياة الناس وتسلبهم راحتهم وتجعلهم دائماً في حالة قلق وغضب من الواقع ومما هو قادم, ووسط كل هذا الخوف الذي يعتريهم يرفضون قطعاً المساس في الوطن ومقدراته. ودائماً وفي كل حالة غضب يشهدها الشارع تجد أن العنوان الأبرز لهذه الحالة هي "السلّمية" وهذا يدل على البُعد الوطني والإنتمائي الذي يتحلى به الأردنيين تجاه وطنهم وحرصهم على مظاهر الأمن فيه.
الفقر, البطالة, إرتفاع الأسعار, غلاء المعيشة...إلخ! كل هذه أسباب أدت للحالة الساخنة التي نعيشها اليوم. لن يطول أمدها, فالإنفراجة لا بُدّ منها والنفق المُظلم الذي نجزع منه اليوم حتّماً نهايته إشراقة
أردنية تُبدد كل الظلام. شريطة أن لا نجعلها دافعاً لكراهية الوطن والإستقواء على مؤسساته والإنتقام منها. فكلنا في هذا الوطن نعيش الحالة الإقتصادية الصعبة, والإحتواء في مثل هذه الظروف الحساسة جزء من نزع فتيل الأزمة.
فرسم ملامح المستقبل الذي يليق بالأردن والأردنيين يلزمه التحاور على طاولة وطنية توضع عليها إستراتيجيات تؤسس لمرحلة أفضل وحياة زاهرة يستحقها الاردنيين. أما العنف والصدامات فإنها تؤجج الموقف وتُفاقم الأزمة وفي هذه الحالة فأننا سندخل في دوامة لا نعلم ما نهايتها.
لا نريد أن نرى مشهد الدم في شوارعنا فنحن لسنا أعداء لبعضنا البعض في هذا الوطن. فالعسكر هُم أبناؤنا وأخواننا وتجمعنا فيهم القُربى والنسب, ومثلما علينا فهم واجبهم في نشر الأمن والحفاظ على الممتلكات والأرواح ووجودهم في الشارع لم يكن ضد المتظاهرين السلميين في الشارع ولا لضربهم وسحقهم وإنما لحماية المشهد الإحتجاجي وضمان عدم خروجه عن أطاره السلمي.
فإنهم يتعاملون حيال ذلك بذات الإحترام والشواهد على العلاقة الوديّة ما بين المتظاهرين ورجال الأمن عبر سنوات الإحتجاج الطويلة ناصعة البياض وتخلو من قطرة دم واحدة.
ليس هناك عاقل يجهل أو يتجاهل حالة الغضب بين الأوساط الشعبية حيال الأوضاع الإقتصادية الضاغطة على عصب الحياة. لكن أيضاً علينا أن لا نتعامى عن أن ثمة أيادٍ خبيثة تنتظر مثل هذه التوترات على الساحة لتبث سمومها وتستغل غضب الناس بما يحقق مبتغى هؤلاء في زعزعة الإستقرار, فهم دائماً ما يركبون الموجة ويسعون بكل سُبل خُبثهم لتأجيج الأزمات. وهنا يأتي دورنا الوطني المنبثق من إيماننا المُطلق بضرورة الحفاظ على وطننا الذي لا يُقدر بثمن ولا يُبدل بأرض.