ليست المرة الأولى التي يرفع الأردنيون فيها أصواتهم بالشكوى من أوضاع اقتصادية ومعيشية أو يطالبون بمطالب عامة أو قطاعية، فمنذ أكثر من ثلاثين سنة هنالك مواسم عديدة رفع الناس أصواتهم بالمطالبة عبر اعتصام أو مسيرة وكل الأشكال المشروعة، وكان المفتاح لاحتواء هذه المراحل استجابات كلية أو جزئية من الدولة لكن الأهم كان الاحتواء واحترام صوت الناس والاقتراب منهم، وتحويل الأمر إلى محطة أردنية داخلية دون فتح الأبواب أمام من يريد استغلال الأمر لأغراض أخرى، وكان الأردنيون كما كان الهاشميون يتجاوزون تلك المراحل القلقة ويقولون لكل من يتابع أن الدولة الأردنية مثل كل الدول تمر بظروف صعبة لكنها تملك القدرة على الخروج منها بأقل الخسائر ودون أن تدفع ثمنا من تماسك الدولة وقدرتها على الاستمرار في حياة طبيعية.
نتذكر في منتصف التسعينيات أداء غير مناسب في حينه من السلطة التنفيذية كان أصحابه يعتقدون أنه قادر على إدارة أزمة أسبابها اقتصادية، لكن ذلك الحل كان يكسر المعادلة الأردنية في إدارة الأزمات وكانت محاولة غير مناسبة، لكن الحسين رحمه الله الذي كان دائما صاحب المبادرة والحضور فتم احتواء الأمر لأن في يد الحسين معادلة الحكمة ولأنه يراهن على وعي ورشد الأردنيين وإيمانهم ببلدهم وقيادتهم. فكان الحفاظ على المعادلة الأردنية هو الحل.
وكانت هناك محطات صعبة بين الحين والآخر بما فيها الحراك الذي امتد سنوات في فترة ما يسمى الربيع العربي، لكن الملك عبدالله كان حاضرا بخطوات جوهرها احترام إرادة الناس، وهو الزعيم الوحيد الذي أطلق على الحراك في حينه بأنه حراك مبارك، وتم تجاوز المرحلة دون قطرة دم أردنية من أي طرف وتحولت المرحلة إلى إحدى إنجازات الدولة بكل تفاصيلها.
وما دام هناك مشكلة اقتصادية ومعاناة فمتوقع أن تسمع الدولة بين حين وآخر قطاعا يشكو أو يطالب، وربما أحيانا تستطيع الحكومة الاستجابة الكاملة وأحيانا لا تستطيع، لكن ما هو واجب دائما المحافظة على المعادلة الأردنية التي كانت دائما مفتاحا لتجاوز الأزمات ومحطات القلق.
والحديث إلى الناس واحترام معاناتهم ضرورة ومحاولة إقناعهم مرة بعد مرة ضرورة، وفي أمثالنا الشعبية نقول “اظهر عذرك ولا تظهر بخلك” أي وضح موقفك بإصرار وقدم كل ما تستطيع من استجابة، فالناس تعلم إمكانات الدولة وقدراتها وما يطلبه الأردنيون حسن إدارة الإمكانات.
الملك في بيت عزاء الشهيد الدلابيح تحدث عن أمرين أولها احترام حق التعبير السلمي والمطالبة وهذا لا يعني فقط السماح بأي اعتصام أو أي شكل للتعبير السلمي بل احترام شكوى الناس وبذل كل جهد للمساعدة وهذا جزء من سياسة الملك الأكثر تواصلا مع كل قوى المجتمع واستماعا لهم وبذل ما أمكن للمساعدة في تخفيف المعاناة.
أما الأمر الثاني الذي أشار إليه الملك فهو التعامل بحزم مع من يرفع السلاح ضد الدولة وتخريب المؤسسات العامة والخاصة، وهذا تقوم به أجهزة الأمن مشكورة وتقدم شهداء وجرحى في سبيل الحفاظ على أمن الناس.
ما كان خلال الأسابيع الأخيرة تجربة قاسية لأننا فقدنا فيها شهيدا، ومكلفة على الاقتصاد، وفيها دروس كثيرة ينبغي أن تتعلمها الدولة ونتعلمها جميعا، ودائما تبقى الضرورة في المحافظة على معادلتنا الأردنية التي تقوم على احترام حق الناس في التعبير السلمي وبذل الجهات المسؤولة كل جهد للتخفيف على الناس مع احترام معاناة الأردني والاقتراب منه، وأيضا المحافظة على استقرار الدولة من أي عبث أو عنف وإغلاق الأبواب أمام أي طرف لأخذ الأمور في اتجاهات سلبية لا قدر الله.