مهدي مبارك عبد الله - خلال خطابه الذي الفاه يوم الثلاثاء الماضي 13 / 12 / 2022 في حفل غداء العمل السنوي لأصدقاء المحافظين لإسرائيل الذي أقيم في فندق بوسط لندن ضم أربعة عشر عضوًا في الحكومة الحالية منهم وزير الخارجية جيمس كليفرلي والوزير روبرت هالفون ومجموعة من أعضاء البرلمان والشخصيات البارزة بالإضافة الى سفيرة إسرائيل في المملكة المتحدة تسيبي حوتوفلي والحاخام الأكبر ليهود بريطانيا إفرايم ميرفيس والحاخام الأكبر في أوكرانيا
أعلن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بان المملكة المتحدة ستعارض وتصوت ضد أي محاولات او إجراءات فلسطينية للحصول على رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية كما أفصح سوناك عن رغبته بزيارة إسرائيل في العام المقبل للمشاركة في الذكرى الـ 75 لتأسيس كيان الاحتلال وأشاد بالتزام أسلافه الذين كانوا مدعويين ( تيريزا ماي وبوريس جونسون وليز تروس ) لدعمهم المبدئي وتحيزهم الدائم لإسرائيل في كافة المحافل الدولية
تصريحات سوناك المتصهينة جاءت بعد صدور عدة قرارات دولية تناصر حقوق الشعب الفلسطيني وفي الوقت الذي بدأت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناقشة الاقتراح المقدم من الجانب الفلسطيني والخاص بمطالبة محكمة العدل الدولية بإصدار فتوى قانونية حول شرعية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وتحديد التبعات القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير واحتلالها الطويل الأمد واستيطانها وضمها للأراضي واعتمادها تشريعات وإجراءات تمييزية وعنصرية
إصرار سوناك على موقفه بإبقاء حكومته وحزبه الحاكم في الخندق المعادي للشعب الفلسطيني من خلال تعهده بتقديم الغطاء الكامل لعرقلة محاسبة إسرائيل أمام المحاكم الدولية يعطي تل ابيب الضوء الاخضر لمواصلة اجرامها الوحشي بإعدام الصحفيين وقتل الأطفال والنساء والمدنيين العزل وتشديد الحصار العسكري الجائر على أبناء قطاع غزة والممتد منذ أكثر من 15 سنة
ما قاله سوناك يذكرنا بالمواقف الاستعمارية التاريخية لبريطانيا الموثقة في سجلها الأسود تجاه القضية الفلسطينية ويزيد من قناعتنا بوهم التسوية وحماقة التعلق بها والمراهنة على الخيارات الدولية العبية كما انه يكشف عن الوجه الحقيقي لرئيس الوزراء البريطاني في استكمال وتجديد حلقات الجريمة الكبرى التي ارتكبها وزير خارجية بلاده جيمس بلفور عام 1917 حينما أعطى فلسطين العربية هدية للصهاينة كي يقيموا فيها وطنهم القومي المزعوم وهو ما شكل حجر الأساس في إقامة كيان إسرائيل في أيار 1948 على أراض فلسطينية محتلة
زعيم حزب المحافظين الجديد ورئيس الوزراء البريطاني الحالي سوانك هو أول بريطاني هندوسي وغير أبيض وغير مسيحي يتولى منصب رئاسة الحكومة ويعتبر من اهم مؤيدي اسرائيل وصديق حميم للجالية اليهودية في المملكة المتحد وفي تصريحات عديدة له أشاد بإسرائيل ووصفها دولة حضارية ومتقدمة كما انتقد معارضيها الذين يسعون للمس بها من خلال ما يسمى زورا بالممارسات اللاسامية التي طالب بالقضاء عليها وهو أيضا من أشرس المناوئين للاجئين والأقليات ومن اكثر الداعين لترحيلهم إلى رواندا كمرحلة أولى لتخفيض أعدادهم في بريطانيا وفي إطار توجهاته العنصرية المفيتة تعهد بالتركيز على الإسلاميين في محاربته للإرهاب
على مستوى القضية الفلسطينية يعد سوناك أحد الداعمين لنقل سفارة بلاده إلى القدس التي يعتبرها عاصمة دولة الاحتلال الابدية وقد ادعى بان هناك حجة قوية للغاية لاتخاذ هذه الخطوة التاريخية والعملية وهو موقف لم يسبق ان حاول اي رئيس للوزراء في بريطانيا الاقتراب منه لأنها تعد شرخا خطيرا في التعامل مع القضية الفلسطينية تماثل خطورة وعد بلفور المشؤوم
وقد رفض سوناك وبشكل قاطع اعتبار اسرائيل دولة فصل عنصري رغم اجماع المنظمات الحقوقية الدولية والمدنية على ذلك وعجزه عن تبرير رفضه لتلك الصفة المعروفة دوليا والأخطر انه اعتبرها دولة ديمقراطية نابضة بالحياة متعددة الأعراق تتمتع بصحافة حرة وسيادة القانون والالتزام بحقوق الانسان والقيم الإنسانية المثلى وهي تقف كمنارة مشرقة للأمل في منطقة تسودها الأنظمة الاستبدادية ويسيطر عليها المتطرفين الدينيين
.
وهو من اكبر المعادين لحركة مقاطعة إسرائيل ( بي دي اس ) الفلسطينية المنشأ والعالمية الامتداد التي تسعى بالوسائل السلمية لمقاطعة البضائع الإسرائيلية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على تل ابيب وعزلها اكاديميا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا حتى تُذعِن للقانون الدولي بتحقيق الحرية والعدالة والمساواة ومنح الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير في الوطن والشتات
اما في داخل بريطانيا فقد ايد سوناك خططً صهيونية لإقامة متحف كبير للهولوكوست بالقرب من مبنى البرلمان في لندن كما حذر من مخاوفه بشأن معاداة السامية وطالب بزيادة تمويل مجموعات أمن الجالية اليهودية
جذور سوناك صاحب العقل الصهيوني تعود إلى منطقة البنجاب بالهند حيث كان يعمل والده طبيبً عامً ووالدته كانت لديها صيدلية خاصة تديرها بنفسها وكلاهما قدما إلى بريطانيا من شرق إفريقيا حيث كانا يعملان وهناك ولد سوناك في ساوثامبتون جنوب بريطانيا عام 1980 والتحق بإحدى مدارس وينشستر كوليدج الخاصة المرموقة التي كان يلتحق بها الميسورون فقط
دخل سوناك العمل السياسي مبكرًا في عمر لم يتجاوز 30 عامً حين التحق بحزب المحافظين عام 2010 فاز بعدها بمقعد برلماني عن دائرة ريتشموند في يوركشاير عام 2014 ليضع أولى أقدامه على المسار السياسي الذي قاده نهاية الأمر إلى داونينغ ستريت حيث مكتب رئيس وزراء بريطاني.
عين في البداية وزيرًا للإسكان في حكومة تيريزا ماي عام 2018 وكان أحد أبرز المؤيدين لمغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي بريكست ومع تولي بنس جونسون رئاسة الحكومة عينه وزيرًا للخزانة ولم يستمر في منصبه الوزاريكثيا حيث استقال عام 2022 في إطار موجة الاستقالات داخل الحكومة إثر تفجُّر فضيحة تستر رئيسها بوريس جونسون على معلومات بخصوص انتهاكات جنسية لأحد النواب المحافظين وكانت استقالته أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت في سقوط جونسون كزعيم لحزب المحافظين ورئيس للوزراء.
شعبيته الجارفة تحققت بسبب إدارته لاقتصاد البلاد خلال سنوات الجائحة ما دفعته لدخول الماراثون على رئاسة حزب المحافظين في الصيف الماضي بعد استقالة جونسون حيث واجه منافسة شرسة أمام ليزا تراس التي نجحت في النهاية في الحصول عل دعم الحزب ومن ثم رئاسة الوزراء الا انها بعد شهر ونصف تقريبا في أعقاب خلافات داخلية بشأن سياستها الاقتصادية اضطرت عل اثرها للاستقالة مما فتح الابواب الواسعة امامه لتولي رئاسة الحزب والفوز برئاسة الوزراء في ظل عدم وجود أي مرشح منافس
من المؤسف جدا في ظل هذا الانحياز الأعمى ان صرخات الصحفية الكبيرة شيرين أبو عاقلة ودماء الطفلة جنى زكارنة اللتان اعدمتا عن قصد بالإضافة الى مئات الالاف من الضحايا والشهداء لم تهز ضمير سوناك رئيس حكومة بريطانيا ولم تعيده ذاكرته ايضا الى تاريخ المجازر الوحشية التي ارتكبها الاستعمار في بلادة الهند ما يجعله والحالة هذه شريك حقيقي في المسؤولية عن إراقة دماء الفلسطينيين واستمرار معاناتهم واحتلال ارضهم
ختاما من اللافت جدا ان سوناك لم يمارس التقية السياسية التي مارسها اوباما قبله بإخفائه نواياه السياسية في دعم إسرائيل والوقوف المطلق الى جانبها ولا ادري فيما اذا كان سلوكه هذا نابع من تماديه في الغطرسة والفجور السياسي ام هو لإيمانه وقناعته بضرورة برد الجميل لا سياده الصهاينة الذين أوصلوه الى تحقيق حلمه الذي ربما للحظة الراهنة لا يصدق انه تحقق
mahdimubarak@gmail.com