ماهر أبو طير - إسرائيل تريد التخلص من الديموغرافيا الفلسطينية بأي طريقة، والمشروع الإسرائيلي يتعثر فعليا بسبب هذه الديموغرافيا التي تمنع الاستفراد بكل فلسطين، والتلخص من بقية المكونات.
عدد الفلسطينيين يصل إلى 14 مليون فلسطيني نصفهم داخل فلسطين، ونصفهم الآخر خارج فلسطين، ويعمل الغرب بكل قوة على شطب الوجود المسيحي الفلسطيني التاريخي، عبر منح تأشيرات السفر والهجرة بشكل ميسر جدا، وإذا كانت هجرات المسيحيين الفلسطينيين بدأت مبكرا قبل قيام إسرائيل إلى دول أميركا الجنوبية وغيرها، إلا أنها اشتدت في زمن إسرائيل.
اليوم عيد الميلاد المجيد، وتقرأ الأرقام فتكتشف أن عدد المسيحيين الفلسطينيين يصل إلى 2.3 مليون نسمة أغلبيتهم تقيم خارج فلسطين، وبعد أن كانوا يشكلون قبل نكبة العام 1948 نحو 11.2 %، أصبحت نسبتهم اليوم لا تتجاوز 1 % والسبب الرئيسي لهذا الانخفاض هو الهجرة، وتسهيلات الهجرة الجارية على قدم وسابق في سياق الدعم السياسي الغربي لإسرائيل، من أجل شطب الهوية الاجتماعية الفلسطينية القائمة على التنوع، والاستفراد ببقية الفلسطينيين.
من المؤسف أكثر أن العالم العربي، لا يهلع أمام هذا التطهير، ويدعي أنه يغضب فقط عند تعرض المسلمين، أو مقدساتنا مثل المسجد الأقصى، إلى الخطر، لكن حقيقة الأمر، أن مهددات الديموغرافيا الفلسطينية تتزايد، ومتروكة لتتعاظم يوما بعد يوم في كل مناطق فلسطين.
صحيفة “دايلي ميل” البريطانية نشرت تقريرا حول المسيحيين الفلسطينيين أشارت فيه إلى المضايقات التي يتعرض لها المسيحيون الفلسطينيون، وإلى أن المسيحيين في القدس كان عددهم يبلغ 31000 العام 1948، وكانوا يشكّلون 20 % من السكان في مدينة القدس في ذلك الوقت، بينما يبلغ عددهم 10000 فقط الآن، أي أقل من 2 %، والأرقام آخذة في الانخفاض، في مدينة القدس.
بحسب “دايلي ميل” البريطانية يتم البصق على رجال الدين المسيحيين وهم يقودون مواكب إلى كنيسة القيامة المقدسة، وتتعرض كنائس أخرى للهجوم من قبل مثيري الحرائق، كما بصق جنود إسرائيليون، من لواء “غفعاتي”، على رجال دين مسيحيين رفيعي المستوى، وعلى الصليب الذي يحملونه، خلال مسيرة عيد الصليب في القدس المحتلة، وروى رجل دين رفيع من الكنيسة الأرمنية أن قوات الاحتلال بصقوا عليه وعلى الصليب الذي يحمله، وهو يستذكر لحظات من المسيرة الاحتفالية التي تم تنظيمها الشهر الماضي، والتي تحوّلت إلى مسيرة إهانات.
إسرائيل تريد شطب الوجود الإسلامي والمسيحي في القدس، عبر وسائل كثيرة، من بينها سرقة الأرض، ومصادرة العقارات، وتهجير أهل القدس وكل فلسطين بشكل متدرج وبطيء، وشطب أي مقدسات إسلامية أو مسيحية، والمشكلة هنا أن العالم الغربي يساعد المسيحيين في الخروج من فلسطين، ويمنحهم التأشيرات بشكل متواصل بسبب ضيق الحياة وظروفها، بحيث أصبحنا اليوم أمام أكثر من مليوني مسيحي فلسطيني تم تهجيرهم بشكل متدرج، ومن المؤكد أن الأطماع في المقدسات المسيحية في فلسطين كبيرة جدا، في كل المناطق، من القدس إلى بيت لحم، والناصرة، ورام الله وحيفا ويافا وبيرزيت وعدة قرى في الجليل الأعلى شمال فلسطين.
العالم الإسلامي عليه أن يتنبه إلى هذا الملف جيدا، لأن هذا التهجير يعد عملا سياسيا من جانب الاحتلال، ولا يجوز أن ينخفض الصوت أمامه، كونه ليس أولوية بنظر البعض، مما يعتقدون أن التركيز يجب أن ينصب فقط على بعض القضايا، خصوصا، أن تهجير الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين متواصل منذ العام 1948، بطرق مختلفة، وعبر تسهيل الحصول على تأشيرات، وتضييق سبل الحياة، وخنق الناس، لقهرهم ودفعهم نحو الهجرة الإجبارية نحو أي مكان.
مسيحييو فلسطين وقفوا دوما إلى جانب قضيتهم، ورأيناهم في القدس يقفون إلى جانب المسلمين في مواجهات كثيرة، وهم من أهل المكان، أساسا، وليسوا كتلة عابرة للجغرافيا والتاريخ، بما يوجب التنبه إلى كل ما يجري، أمام عمليات الإزاحة الإسرائيلية، وإحلال المستوطنين في كل موقع.