زاد الاردن الاخباري -
التعديلات الدستورية.. جدال بالباطل
عبدالرحمن الدويري
النظام غير معنيّ بالإصلاح، ولا يريده ولا يسعى إليه، هذا الأمر جلي لا يحتاج إلى كبير جهد لإثباته أو التدليل عليه، وما التعديلات الدستورية المقترحة حتى الآن إلا دليل على ذلك.
سلطة الشعب في الأردن مسروقة، وعبارة: - الشعب مصدر السلطات - أرملة في عدَّتها منذ خمسة عقود لم تخرج من صحن دارها، ولم تر النور بعد،ولم تتأهل لاستئناف حياتها الديمقراطية من جديد، ومنظومة الحكم في هذه الأيام تمارس مع الشعب المعتدّ أسلوب المخادعة والتضليل، وبل أسلوب الاستخفاف والاستهبال.
يمتلك النظام أشباحا يدخرها للحظات الشدة، وكروتا يلعب بها من فوق الطاولة ومن تحتها، وفي حوزته صناديق من الألسن متنوعة الأشكال والوظائف، فمنها الطويل والقصير والعريض والسميك، وبعضها بشعبة واحدة أو شعبتين أو ثلاث شعب أو يزيد، ومنها ما يجلد ويلسع، ومنها ما يُقلّب ويتذوق ، ومنها ما ينظف ويلحس، نعم يلحس كل الوعود التي قُطعت للغلابى من الأردنيين الحالمين بإصلاح سياسي يرفعهم ليكونوا مثل باقي البشر على وجه هذه البسيطة.
هذه المنظومة التي تتعامل مع مجريات الأحداث وفق الرغبة الرسمية، لا وفق الحقيقة المنطقية تقع في مواجهة مباشرة مع ثوابت الشريعة التي يُجمع الرّسميون والشّعبيون على كونها مصدر التشريع، وفصل الخطاب - ولو نظريا - فيما يجري.
من هنا لي أن أتساءل: كيف يُبيح البعض لأنفسهم أن يكونوا مجرد أدوات لتمرير الإرادات السياسية المجحفة، والاجتهاد في تبريرها والدفاع عنها، بل وتسويغها والدعوة إليها، وهم يعلمون أنّه لا ضمانات حقيقة لتطبيقها، وأنها مخالفة لروح الدستور، والشريعة أيضا ؟؟؟!!
لقد طلب الله تعالى إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم- أن يكون وقّافا عند حدّ الحقّ الثابت بنص الكتاب، ونهاه عن المخاصمة والج ادلة بالباطل عمّن استبان خطؤه، وتعدّيه لحدود الحق والعدالة، فقال: ((إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً))(النساء : 155-107 ).
متوالية الفساد لَعِبت بالأردن وبشعبه ومقدراته لعب العابث المستهتر، ولم تُخلُّ بأمانة العقد الاجتماعي فقط، بل سعت لذلك الإخلال مع سبق إصرار تعكسه التوجهات الإصلاحية الباهتة.
حُرّاس الخطيئة الجادون في صيانتها، يعكفون ليلهم يحاورون أهوائهم، ويُبيّتُون النّية على خدمة الخطيئة، والاستمرار في اقترافها، غير عابئين بغضب الربّ سبحانه، لكنهم متوجسون من ردود الفعل، فيسعون لحشد الرأي وجمع التبريرات والمسوغات:((يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً)) (النساء : 108 ).
فلحظة التعديلات الدستورية لحظة تاريخية، وهي علامة فارقة في المرحلة الحالية، ونقلة نوعية في الحياة الديمقراطية، ويعلوا الصخب، وتسطع الأنوار، وتستيقظ عيون الكاميرات، وتسيل الألسن والأقلام بالثناء والتبريك، وكلّ الطاقم الموقّر يعلم علم اليقين أن الأمر لا يعدو تنميق العبارة، وتزيين اللفظ، وتجميل التشوه، وإخفاء المعيب في البضاعة لتنفق عند الزّبون.
يفعل الكثيرون ذلك, ويرتكبون المنهي، ويُبارزون بالمعصية، ويُحامون عن باطل استبان بطلانه، وظلم استحكمت بلواه، ولا حيلة لنا في هذا الصنف من الأبواق إلا قوله تعالى: ((هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً)) (النساء: 109 ).
فهل يَفطن غافل، أو يُقلع مُدمن، أو ينتبه وسنان، قبل فوات الأوان؟؟؟!!
19/8/2011م