مهدي مبارك عبد الله - هم قضية وطن وحكاية شعب والسجان الصهيوني بسلوكه الوحشي الشاذ لم يقلح في انتزاع فلسطين من قلوبهم كما لم ينجح في تغييب القدس والأقصى عن عقولهم حيث كانت السجون ولا تزال وستبقى مدارس فكرية للإعداد والتثقيف وروافد للثورة ووقود للمقاومة بفضل هؤلاء الابطال الكبار عنوان الصمود والكبرياء الذي يرددون صبح مساء ( لا السجن يثنينا ولا الاعدام يرهبنا.. ما دام يغلي في دمنا الايمان .. لا القيد يمنع همتنا عن قصدها.. ولا السوط ولا التعذيب ولا الطغيان .. سنظل عاصفة تهب قاصفة فيها المنايا السود ولهيب النيران نحن ابناء فلسطين الثائرة والكل يعرف شموخنا في الميدان وعزتنا خلف القضبان )
بعد إقرار قانون القومية الذي كرس يهودية الدولة تمهد اسرائيل الطريق الآن لسن قانون يتيح إعدام أسرى فلسطينيين أدينوا بقتل إسرائيليين وذلك بعد إعطاء رئيس الحكومة الأكثر تطرفا نتنياهو الضوء الأخضر للنائب المتطرف المجرم ( ايتمار بن غفير ) المكلف بأعمال منصب وزير الأمن القومي للسير باتجاه إقراره وهو الذي هدد مرات عديدة بقتل الاسرى وتشديد ظروف اعتقالهم كما اشترط على نتنياهو سن القانون لمشاركته في الائتلافي الحكومي مع حزب الليكود وقد جرى ذلك رغم عدم تحمس الجهاز القضائي لتنفيذ حكم الإعدام لأنه سيظهر إسرائيل بصورة أكثر بشاعة مما هي عليه اليوم بالإضافة الى معارضة المنظومة العسكرية والأمنية الاسرائيلية خشية من زيادة العمليات وخطف الجنود واشتعال انتفاضة جديدة لن تكون بمعزل عن وحدة الساحات التي تجسدت في معركة سيف القدس العام الماضي
عقوبة الإعدام موجودة أصلا في قانون العقوبات الإسرائيلي إلا أنها لا تطبق إلا ضمن قانون محاسبة النازيين ومعاونيهم للعام 1950 وهي موجودة ايضا في الأوامر العسكرية للاحتلال غير أن إصدارها يتطلب قرار من محكمة عسكرية بإجماع ثلاثة قضاة وأن تكون بطلب من المدعي العام العسكري ولم تستخدم المحاكم العسكرية هذه الصلاحية حتى الآن رغم أن قوات الاحتلال تتبع سياسة ممنهجة في إعدام الفلسطينيين ميدانيا خارج إطار القانون في حال أقدموا على تنفيذ عمليات ضد الإسرائيليين وبغطاء رسمي من الحكومة الإسرائيلية وجهاز الشاباك والجيش
التاريخ الحديث لم يسجل صمود شعب في وجه جلاده كما وقف الشعب الفلسطيني والحديث عن مشروع قانون اعدام الاسرى الفلسطينيين ليس بالجديد حيث جرى طرحه على الهيئة العامة للكنيست في عام 2015 إلا أنه لم يؤيده وقتها سوى حزب اليمين المتطرف " اسرائيل بيتنا " بينما عارضته جميع الأحزاب الأخرى وفي 5/11/2018 وافق نتنياهو على الدفع بمشروع قانون العقوبات لتعديل الحكم بالإعدام للمدانين بقتل اسرائيليين وبناء عليه قدم عضو الكنيست آنذاك "روبرت إليطوف" من حزب "إسرائيل بيتنا" بتاريخ 30/10/2017 مشروع القانون حيث تم وضعه في مسار سريع للتصويت عليه في اللجنة الوزارية الا انه لم يتم اعتماده بالكامل وفي حزيران الماضي ردت الهيئة العامة للكنيست مشروع قانون الإعدام خلال جلستها بالقراءة التمهيدية والذي تقدم به عضوي الكنيست بن غفير وماي جولان
مشروع القانون الدموي المشار اليه انفا فاشي بامتياز وهو ذريعة إضافية تسهل ارتكاب مزيد من الجرائم بحق الاسرى وفيه خطر حقيقي يتهدد حيث يتضمن تخفيف كبير من شروط تطبيق عقوبة الإعدام ويسمح بتطبيقها عن طريق قرار محكمة عسكرية بإجماع اثنين من القضاة الثلاثة وليس جميعهم كما انه يمنع استبدال عقوبة الإعدام بعقوبة أخرى ويسمح أيضاً بتطبيق العقوبة من غير طلبها من المدعي العام العسكري وإلى جانب كل هذا فإن مشروع القانون المقترح يدعو الى تطبيق عقوبة الإعدام في محاكم الاحتلال المدنية والعسكرية على حد سواء
المطالبات العنصرية المتواصلة بضرورة الاستعجال في سن القانون في الكنيست قبل التصديق على الميزانية العامة للدولة لعام 2023 ليكون وسيلة رادعة لتصاعد وتيرة ما سموه بعمليات القتل الإرهابي لن يخيف الفلسطينيين ولن يمنع المقاومة من الاستمرار في طريقها الشريف بل على العكس سيرفع من قوتها وفعلها وسيزيد من وتيرة العمليات الفدائية في مدن الضفة الغربية المحتلة والقدس والداخل المحتل وسيؤدي ايضا إلى احتدام شرارة المواجهة مع قوات الاحتلال على الحواجز العسكرية وسيحث المقاومة على خطف إسرائيليين جدد والسعي الحثيث لعمليات تبادل لتحرير الأسرى من سجون الاحتلال وبعكس ما يعتقد القائمون على مشروع القانون وبالمحصلة لن تحقق الحكومة الفاشية المتطرفة والمجتمع الصهيوني منه أي استقرار تسعى اليه سواء كان سياسيً أو أمنيً أو عسكري ومن البديهي التذكير أن العديد ممن يرتكبون مثل هذه الأفعال يتحررون دون أن يقضوا كامل أحكامهم بموجب صفقات التبادل المتكررة
القوانين والتشريعات التي يسعى الاحتلال لإقرارها تهدف بشكل أساسي لإرضاء عائلات القتلى والشارع الإسرائيلي المنهك بالخوف وللتغطية على الفشل الذريع في مواجهة تدفق العمليات الفدائية التي هزت المستوى السياسي ومرغت أنف المؤسسة الأمنية في التراب وبعد عجز احكام المؤبدات في الردع لن تجدي نفعا إجراءات تشديد القبضة على الأسرى وزيادة معاناتهم التي تفضح من جديد استمرار سياسات الاحتلال العنصرية ضد ابناء الشعب الفلسطيني وتجريدهم من كامل إنسانيتهم والاعتداء على حقهم الفطري في الحياة والصحة والسلامة الجسدية وعدم التعذيب وغيرها وفي النهاية حرمانهم من حقهم في الحرية وتقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة
الأسرى الفلسطينيون رجال يحبون الموت كما يحب اعداءهم الحياة وجميعهم مشاريع شهادة ويرفضون مبدأ الاعتقال والأسر ولم يخشوا الموت يوما وهم في ميادين القتال والمعارك ولن يخشوه في المواجهات داخل السجون ولن يقفوا مكتوفي الايدي او متفرجين وسوف يعلنوا الحرب المفتوحة على الاحتلال وجلاديه ويفجروا بركان الغضب الثوري لأفشال سياسات النيل منهم حيث قبلوا التحدي وسيكونون بالمرصاد لكل خطوة تستهدفهم فانتظروا أيها المجرمون ردات الفعل غير المتوقعة التي ستفتح عليكم أبواب الجحيم بدلًا من استعادة امنكم وردع المقاومين الفلسطينيين
هذا القانون المثير للجدل بمضمونه الإرهابي وحلته اليمينية المتطرفة يشكل خطر داهم يحلق فوق حياة الاسرى وهو أعلى مستويات العدوان وأكثرها كارثية عليهم ويمكن به تصفيتهم بطريقة شنيعة والقضاء عليهم بصورة انتقامية غير مسبوقة تحت مظلة القانون المزعوم وان طرحه في هذا الوقت يدعوا للقلق بسبب تطرف غالبية أصحاب القرار السياسي حاليا في كيان الاحتلال بعد تقارب مشاريعهم مع الفاشية خاصة ما يتعلق منها بالأسرى واذا تم المصادقة عليه بقراءات الكنيست الثلاث سيكون مبررا لأي متطرف في الحكم أو الجهاز الشرطي الخاص أو وحدات القمع والتفتيش للإقدام على ممارسات قمعية مفتوحة بحق الأسرى وبذلك ستكون عمليات المقاومة أقوى وأقسى ضد الاحتلال وقطعان مستوطنيه
المجتمع الدولي والإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي والمنظمات والهيئات الدولية الحقوقية والقانونية معنية بشكل مباشر بالعمل من أجل إلزام الاحتلال بالقوانين الدولية والأعراف والمواثيق الإنسانية وإرغامه على عدم تشريع أي قانون جديد يسهل ارتكاب مزيد من الجرائم بحق الأسرى وضمان حمايتهم وإرسال لجان دولية مستقلة لمتابعة وتقصي أوضاعهم بشكل دائم حتى إطلاق سراحهم وفقا للقوانين الدولية وأبرزها اتفاقية جنيف وهنالك ايضا مسؤولية أكبر تقع على الجانب الفلسطيني الرسمي من رئاسة وسلطة وسفارات وجهات قانونية بضرورة التحرك وبصورة عاجلة لاتخاذ خطوات كفيلة بمنع الاحتلال من الاستفراد بالأسرى وإفشال المحاولات الجارية لإقرار هذا القانون ومحاسبة الاحتلال عبر محكمة الجنايات الدولية ومن المنطقي أن سقوط 232 من الشهداء في صفوف الحركة الأسيرة و650 مريض و25 حالة سرطان خطيرة بالسجون حاليا كافية لمحاسبة ومحاكمة الاحتلال
نتنياهو وعصابته الوزارية المتطرفة يخطئون التقدير مجددًا وان التصعيد القادم والمتواصل ضد الأسرى خطير ويستدعي تضافر الجهود الوطنية للوقوف خلفهم ودعمهم في هذه المعركة الفاصلة بكل السبل لفضح هذه الخطوة الصهيونية وكشف مخاطرها وتداعياتها وتحشيد الرأي العام الفلسطيني والإقليمي والدولي ضدها فلا يكفي التضامن الباهت ولا البيانات الرنانة ولا بد من الرد على هذه الخطوة الاجرامية بإشعال انتفاضة شعبية عارمة في كل الأراضي الفلسطينية لتدفيع الاحتلال ثمن عدوانه ورفع كلفة هذا القرار عليه وإجباره على التراجع تحت ضغط وغضب الجماهير الفلسطينية مع ضرورة وضع برنامج وطني موحد يؤسس لمرحلة جديدة عنوانها نصرة وحماية الأسرى والانتفاضة في وجه الاحتلال لتحريرهم وكسر قيودهم
مشروع القانون الوحشي وغير الانساني الذي يمس بشكل عنيف وارهابي الحقوق الاساسية للإنسان والمواطن التي كفلتها الشرائع السماوية هو امتداداً لتصعيد سلطات الاحتلال إجراءاتها التعسفية ضد المواطنين الفلسطينيين وانتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي والمواثيق والبروتوكولات والعهود الدولية الخاصة بمبادئ حقوق الانسان كما انه يشكل جزءاً من حملة سن القوانين والتشريعات العنصرية التي من شأنها تعميق سيطرة اليمين واليمين المتطرف والمستوطنين على مفاصل الحكم في الكيان الغاصب وان حكومة الاحتلال الاسرائيلية برئاسة نتنياهو تتحمل المسؤولية الكاملة والمباشرة لتداعياته وابعاده الخطيرة على ساحة الصراع في حال اقراره بشكل نهائي
منذ سنوات عديدة والاحتلال الصهيوني يصعّد من هجماته الشرسة بحق الأسرى والأسيرات من ( تعذيب وتنكيل و تضييق وتفتيش ومنع وحرمان وعزل وقمع واعتقال اداري واحكام مؤبدة واهمال طبي وقتل بطئ ) بالإضافة الى تفعيل سياسة الإبعاد واعتقال الأسرى المحررين وإصدار قرارات عنصرية متطرفًة بحق الأسرى في السجون والتضييق على اهاليهم بمنع زياراتهم وهذا العام يعتبر الأسوأ في استخدام سلطات الاحتلال سياسة الاعتقال الإداري بعد التعديل على قانون الأوامر العسكرية المعمل به
لقد ظن الصهاينة والغرب واهمون أن ما جرى مع الهنود الحمر في الولايات المتحدة أو ما جرى في استراليا مع السكان الأصليين سيجري مع أهل فلسطين ونسوا ان لا مستقبل لكيانهم الغاصب والامر مسألة وقت وتغير في معادلات المصالح وما بعد معركة سيف القدس ليس كما قبلها والمستقبل ليس لك يا نتن وتهيئ للاسوا فالأيام دول
إخواننا الأسرى واخواتنا الاسيرات ليسوا مجرد أبناء وطن مغيبين في سجون الظلم والعدوان الإسرائيلية بل هم سادتنا الذين ناضلوا وضحوا وأفنوا زهرات شبابهم خلف القضبان من أجل فلسطين ومقدساتها وهم أيضا أيقونات الحرية ننتظر عودتهم وحتى تتحقق تلك العودة من حق شعبهم المطالبة بمعاملتهم بالطريقة اللائقة التي يستحقها مناضلو الحرية وفقا للقوانين والمواثيق الدولية
عظم الله اجرك يا شعب فلسطين العظيم بقيادتك وبعض حكام امتك وايدك بنصر احرار العالم المخلصين والشعوب العربية والاسلامية الشريفة التي تنتظر وإياك موعد فجر الحرية الآتي لا محالة مهما بعدت الشقة وطال الزمان والله تعالى نسأله بقدرته العلية ان بقدرته يفك قيد الأسرى والاسيرات ويعيدهم إلى أهلهم سالمين غانمين غير خزايا ولا محرومين عاجلاً بإذن رب العالمين
mahdimubarak@gmail.com