ندخل في العالم العربي عاما جديدا، والمؤكد هنا أن التحديات تتزايد، وتتعمق، في ظل ما نراه على مستوى الدول، وعلى المستوى القومي، ولا مؤشرات في الأفق على أي تغيرات إيجابية أو جذرية.
فلسطين ما تزال محتلة، وسورية طحنتها الحرب، وتشرد أهلها، فوق مآسي الحرب ذاتها، والعراق تحت التشظية الداخلية، وعبث دول الإقليم فيه، وأطماع الجوار، ولبنان غارق في أزماته من انهيار الليرة الى عدم وجود الكهرباء ومشاكل المحاصصة، وليبيا تحت التقسيم، وتخوض حربا داخلية، واليمن أصبح يمنين، وتطحنه حرب داخلية ايضا، وهكذا ترتحل خلاصات العام 2022 إلى العام 2023، بلا أي تغييرات إيجابية، بل يثقل الحمل في المنطقة الى حد لا يمكن احتماله.
الدول المستقرة نسبيا، لديها أزماتها الثانية، من الديون التي تكبلها، الى تفشي الجهل والأمية، وانعدام تنافسية التعليم، وتراجع قطاعات الصحة، والسياحة، وغياب التنمية، وتفشي الفساد، والكراهية، والصراعات السياسية بشكل أو آخر، وكأنها بذور تؤشر على أن بعض هذه الدول مؤهلة للالتحاق بغيرها من الدول التي تعرضت لمؤامرات أو هدم أو خراب داخلي.
مساحات الأمل في العالم العربي، تتمثل بقصص نجاح محدودة لبعض الدول فقط، فيما غالبية العالم العربي، يخضع لظروف في غاية الصعوبة، تراكمت على مدى عقود طويلة من الازمات.
لقد ثبت مرارا أن الدول القطرية لا تنجح في هذه المنطقة، بسبب قلة الموارد، او عدم تكاملها، او عدم القدرة على مواجهة التحديات والأزمات، وخيار الوحدة الغائب كليا، كان حلا في مراحل معينة، لكنه اصطدم إما بإرادات خارجية، أو بسبب التنافر والتفرد بالسلطة، وهذا يعني ان الدول القطرية أصبحت ضعيفة وفريسة للاقليم ودول العالم، تتم ادارتها عن بعد، او عبر وكلاء، دون ان تكون قادرة على النهضة، خصوصا، في ظل المظالم الداخلية في هذه الدول.
لم يعد السؤال المطروح اليوم، مرتبطا بتواقيت خروج الدول الهشة او الضعيفة او الفاشلة من أزماتها، بل بات السؤال حول مخاطر انضمام دول جديدة إلى مدارات الأزمات الطاحنة، وهذا أمر محتمل في ثلاث دول عربية على الأقل مؤهلة للاقتتال الداخلي أو الصراع على السلطة، وهذا يعني أن هذا النزيف لن يتوقف، وهي فواتير لعهود من الظلم والدكتاتورية وغياب الحقوق والفساد، وعدم صناعة مشاريع وطنية، أو هويات وطنية جامعة، وإضعاف التعليم بشكل أنتج جيلا يعاني من التضليل، فيما نخبته الواعية، إما هاجرت وفرت، أو انتحرت قهرا وبشكل بطيء.
بمنطق الأرقام كل التقارير الدولية تتحدث عن أرقام مرعبة للفقر والبطالة والجهل والأمراض والأمية والفساد والديون في العالم العربي، والمفارقة أن هذه المنطقة من أغنى مناطق العالم، لكنها تتعرض لابتلاء لا يتوقف، وإذا كان البعض يؤمن بأن تدخل الأجنبي هو الذي أوصلها إلى هذه الأحوال، إلا أن من يؤمنون بهذا الكلام يستصعبون الاعتراف بوجود مشكلة بنيوية في أهل المنطقة، وفهمهم لتطلعاتهم وحياتهم، وقدرتهم ايضا على صياغة المستقبل، وتوظيف مواردهم، اضافة الى الأزمة الأعمق المرتبطة بالبنية الذهنية والثقافية، وتلك البنية التربوية الموروثة.
ربما لم يعد احد اليوم يهتم بكل شؤون العالم العربي، برغم أن هذه المنطقة مترابطة، وتؤثر على بعضها البعض، لكن هذه مناسبة مع مطلع العالم الجديد أن نعيد التذكير بأن أي أزمة عربية في بلد عربي يستحيل أن تبقى ضمن حدودها، فهي أزمات عابرة إلى كل جوارها العربي بشكل أو آخر، إن لم يكن سياسيا، فاقتصاديا، واجتماعيا وأمنيا، بما يعيدنا إلى المربع الأول، أي أن نهضة المنطقة يستحيل أن تكون نهضة فردية، ولا بد أن تتأسس على مشروع جماعي في كل منطقتنا.
في هذه المناخات يتجلى السؤال حول خرائط المستقبل في كل الإقليم والعالم، ومراكز القوة والنفوذ، والحرب والسلام، والغنى والفقر، وأين سنكون كعرب في هذه الصياغات، وهو سؤال محمل بألغام يتجنب كثيرون الدوس عليها، هذا على الرغم من أنها ستنفجر في كل الأحوال؟