ما فعله بن غفير يعيد للأذهان شارون في العام 2000 عندما دخل الحرم القدسي. زيارة شارون أشعلت انتفاضة، واليوم بن غفير يستحضر الأجواء لانتفاضة أخرى. الزيارة استمرت 13 دقيقة عند السابعة صباحا، بقليل من المصلين المسلمين الحاضرين، وبتنسيق مع رئيس الوزراء نتنياهو والأجهزة الأمنية، التي رأتها ممكنة لا تمس الأوضاع التاريخية، وتكتسب صفة الزيارة فقط دون إجراء طقوس دينية، وهذا ركن أساس من الحفاظ على الأوضاع التاريخية، فالزيارات مسموحة تاريخيا قبل إسرائيل لكل أتباع الديانات، والخلاف مع إسرائيل الآن أنها يجب أن تكون بموافقة أوقاف القدس، وليس بقرار الشرطة الإسرائيلية، وبالطبع الزيارة لا طقوس دينية فيها. الزيارة لوزير عامل في حكومة إسرائيل معناها سيادي واضح، لذلك أثارت موجة من الاحتجاجات العربية والإسلامية.
بن غفير حقق من الزيارة أهدافا عدة، أولها، رسالة لقواعده الانتخابية المتطرفة أنني ملتزم بما انتخبتموني من أجله، وهي رسالة أيضا أن وزراء الائتلاف لهم قول وقرار في السياسة الإسرائيلية لا يتحكم بها نتنياهو وحده. لكن أخطر ما قاله بن غفير أنه يؤمن كاملا أن ما يحدث في الحرم الشريف نوع من التمييز العنصري، متسائلا لماذا يسمح للمسلمين بالصلاة هناك ولا يسمح لليهود، فالمكان أكثر الأمكنة المقدسة لليهود وليس فقط مقدس للمسلمين، وهو يريد تغيير الأوضاع التاريخية والقانونية هناك في مسعاه النهائي لبناء الهيكل الثالث، وهو ما عارضه مكتب نتنياهو بالتأكيد على الأوضاع القانونية والتاريخية الحالية من عدم إقامة الصلاة لليهود في الحرم القدسي.
كلام بن غفير خطير وفيه كم مرعب من الجهل والحمق؛ تخيل مثلا أن يقوم المسلمون الآن باقتحام كنيس بحجة أن من العنصرية أن يصلي فيه اليهود وحدهم! أو يذهب مسلمون أو يهود للصلاة بكنيسة القيامة على اعتبار أن من العنصرية أن يصلي فيها المسيحيون وحدهم! كلام ينم عن جهل، فالحرم القدسي وقف إسلامي خالص منذ آلاف السنين، تم خوض حروب ضروس حوله أشهرها بالتاريخ الحروب الصليبية، والمسلمون أصحاب السيادة منذ 1400 عام تقريبا، حافظوا على حرية الأديان والتوازن الديموغرافي بالقدس منذ العهدة العمرية، أوقفوا الاعتداءات المتبادلة بين المسيحيين واليهود في المدينة المقدسة منذ ذلك الزمان. الجهل يتضح أيضا في الحديث عن هيكل سليمان، الذي بشهادة الميدان لم يتم العثور على أي من آثاره للآن في محيط الحرم القدسي أو تحته مع أن إسرائيل تنقب بكثافة، بل إننا، وبعد التجربة المريرة العام 2000، وإضاعة الفرصة لاتفاق تاريخي في كامب ديفيد برعاية كلنتون، بدأنا نسمع أصواتا وازنة تقول إن المسلمين أحق بأي آثار واكتشافها ورعايتها لنبي الله سليمان عليه السلام إن وجدت، فعقيدة المسلمين تملي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد منهم، لكن السيادة عليها للمسلمين كما كانت منذ 1400 عام.
خطير ما يفعله غفير ومن هم على شاكلته، يحولون إسرائيل من مشروع سياسي أمني قبله الفلسطينيون والعرب من خلال معاهدات السلام، لمشروع ديني يهدد ويتعدى على المعتقدات والمقدسات الإسلامية. هذا عبث خطير، تحد لعقيدة المسلمين وتهديد لإسرائيل التي ستخسر دعم الغرب بسببه.