ماهر أبو طير - أسوأ حالة قد يواجهها اي شعب، هي عدم الثقة، او غيابها كليا او جزئيا، ولدي هنا امثلة لا احد يحسم الامر فيها، بل ان الكل يتناقل روايات متعاكسة، ومتناقضة، بشكل واضح.
في الأردن يقولون لك ان المياه الجوفية، قليلة، او ان الاحواض جفت، ويخرج آخرون رسميون وغير رسميين ويقولون ان هناك مياها جوفية لكن تحتاج الى حفر على اعماق كبيرة، وبكلف مرتفعة، وهي مالحة وغير صالحة للشرب، بشكل مباشر، او فيها نسبة اشعاعات، ويخرج فريق آخر ويقول لك عكس الكلام، ان المياه متوفرة وعذبة وعلى اعماق كبيرة، لكن لسبب ما لا يراد اخراجها، بل يراد تركنا عطشى كي نطلب الماء من الاحتلال، او نعاني بشكل او آخر في حياتنا.
هذا مجرد نموذج على غياب الثقة، فالكل يقدم لك رواية، والكل يقول لك ان روايته هي العلمية والدقيقة، والنتيجة انك تحتار، ولا تعرف من تصدق، في بلد المليون خبير في ملف المياه.
النموذج الثاني يتعلق بالنفط، اذ يقول الرسميون ان لا نفط في الاردن، وآخرون يقولون لك ان هناك نفطا لكن كمياته قليلة وغير تجارية، ويخرج فريق ثالث ويقسم بكل الكتب المقدسة ويقول لك ان النفط متوفر وانه يستحيل ان يكون الأردن بلا نفط وسط دول عربية كلها لديها نفط، وتشيع القصص والاتهامات عن الآبار المغلقة، او التي يتم اغلاقها، او قليلة الانتاج، او مشاكل التنقيب، وينقسم الرأي العام في الاردن، كما في قصة المياه، ولا احد يعرف الحقيقة النهائية، وتمتد هذه القصة الى قصة الغاز، الذي يأتيك خبراء وينفون وجوده بشكل تجاري، مثلا، فيما يخرج خبراء ويقولون ان هناك كميات كبيرة من الغاز، ويستدلون بهذا الحقل او ذاك، والرأي العام في الأردن سريع الشك والاتهام، وهناك ثقة ان هناك غموضا في كل هذا الملف، ايضا.
نموذجا النفط والغاز، نموذجان يضافان الى نموذج المياه، والقصة تمتد الى كل الموارد والثروات الطبيعية، واذا ما كنا حقا بلدا غنيا، ام بلدا فقيرا، اضافة الى التساؤلات حول عدم استغلال هذه الموارد إن توفرت، حقا، كما يقول بعض الخبراء، وهل القضية ترتبط بظروف تمويلية، ام بتعقيدات لا يعرفها احد، ام اننا نبالغ اصلا بوجود هذه الموارد، ونتبع الاوهام في هكذا قصص.
أنا شخصيا لست جيولوجياً، ولا خبيراً حتى أحسم اي الروايات أدق، ام ان بعض الروايات مطعون في صدقيتها، او غير صحيحة تماما، لكن من حيث المنطق، لا يوجد سبب واحد يمنع الأردن من استثمار موارده، اذا توفرت حقا، وليس ادل على ذلك من استثمارات الفوسفات والبوتاس والنحاس والديسي، وغير ذلك، من نماذج يتم الاستثمار فيها والاستفادة منها، وهذا الكلام ليس ردا مباشرا على من يؤمنون بوجود كنوز مخفية في الاردن، وان هناك قرارا بعدم الاستفادة منها، لكنها مقارنة منطقية، قد تصح بنظر البعض او لا تصح في هذا الزمن.
في كل الاحوال القصة تشبه قصة البحث عن الذهب في الاردن، وكل واحد فينا يعتقد ان هناك صندوقا من الذهب التركي او الروماني تحت ارضية بيته، وكلما شاهد احدنا حفرة او مغارة، يظن فورا انها فيها كنزا مخفيا، وقد يكون فيها سند دين من جلد الماعز، على مدين روماني عاش في هذه البلاد، لكننا بسبب الظروف الاقتصادية نتوهم بشكل مبالغ فيه، دون ان ننكر ايضا، ان تناقض الروايات الرسمية في مراحل سابقة، وكثرة خروج خبراء من كل الانواع ليقولوا كلاما مختلفا عن الكلام الرسمي، هو الذي رسخ القناعة التي تقول ان الاردن ثري جدا، لكن الحكومات المتتالية تهمل موارده وثرواته، ولا تريد اخراج هذه الموارد والاستفادة منها، لسبب غامض او آخر ملتبس.
الخلاصة تقول ان هناك خلخلة في منسوب الثقة، لاعتبارات كثيرة، وهكذا ملف، اي ملف الموارد المختلفة، والثروات، لا يحتمل التجاذبات، وبحاجة الى رأي علمي موزون، يفتي في هذه التفاصيل.