زاد الاردن الاخباري -
لا يزال المصريون يتابعون الانخفاضات التاريخية التي شهدها الجنيه المصري، أمام الدولار، الأربعاء، حيث وصل إلى مستوياتٍ قياسية متدنية بعد مرور 10 أيام فقط من عام 2023، وذلك بعدما أنهى الجنيه عام 2022 على انخفاضٍ بنحو 60 بالمئة.
وفي منتصف تعاملات أمس، بالبنوك المصرية، قفز سعر الدولار بشكل متسارع ليتجاوز 32 جنيها للدولار، قبل أن يقلص خسائره ويغلق عند مستوى 29.74 جنيه للدولار، بحسب متوسط السعر في البنوك، وفقا للموقع الإلكتروني للبنك المركزي المصري.
وأثار انخفاض الجنيه تكهنات بشأن حجم التراجع الذي قد تصل إليه العملة في نهاية المطاف، حيث يأمل بعض المحللين على الأقل في عودة بعض المستثمرين الأجانب إلى السوق المصرية ومعاودة المصريين العاملين بالخارج إرسال مزيد من مدخراتهم إلى الوطن.
ولجأت مصر إلى صندوق النقد الدولي طلبا للمساعدة بعد أن أدت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى ارتفاع فواتير واردات القمح والنفط بينما وجهت ضربة للسياحة، وهي مصدر رئيسي للعملة الصعبة، من اثنين من أكبر أسواقها، أوكرانيا وروسيا.
ويتوقع خبراء مصرفيون، أن تواصل مصر الالتزام بسعر الصرف المرن للعملات مقابل الجنيه خلال الفترة المقبلة، خاصة أنها تعهدت لصندوق النقد بالتحول إلى سعر صرف "مرن بشكل دائم"، وذلك عندما توصلت إلى اتفاق مع الصندوق بشأن حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار في أكتوبر الماضي.
وأفرج صندوق النقد الدولي عن خطاب النوايا الذي وجهته الحكومة المصرية لمسؤولي الصندوق في 30 نوفمبر 2022، والذي كشف عن عدة أمور سيتبعها الاقتصاد المصري للسيطرة على معدلات التضخم، ومواجهة التحديات الاقتصادية الصعبة.
تعهدت الحكومة المصرية بعدم التدخل في أسواق العملة الأجنبية لتحقيق الاستقرار أو لضمان سعر للصرف، إلا في حالات التقلب الشديد.
كما تعهدت الحكومة أيضا بإبطاء وتيرة الاستثمار في المشروعات العامة للحدّ من التضخم والحفاظ على العملة الأجنبية، وأثبتت الحكومة المصرية ذلك بإصدار قرار تضمن تأجيل تنفيذ أي مشروعات جديدة لم يتم البدء في تنفيذها ولها مكون دولاري واضح.
صعوبة التوقع
وتشير سهر الدماطي، الخبيرة المصرفية، ونائب رئيس بنك مصر سابقاً، إلى أن السوق الموازية تعمل على تسعير قيمة الدولار مقابل الجنيه بأعلى من 30 جنيهاً بالفعل، وهو ما يشير إلى وجود مضاربات في سوق العملة داخل مصر.
وتوضح أن اتفاق البنك المركزي مع مسؤولي صندوق النقد الدولي يؤكد ضرورة وجود سعر صرف مرن، مع إعطاء البنك المركزي حق التدخُّل لعدم حدوث تقلّبات، وبالتالي فالطبيعي هو الوصول لسعر السوق الموازية، وإلا سيظل التضارب في قيمة الدولار، وفقا لسكاي نيوز عربية.
وتقول الدماطي إنها "توقعت ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه، وكذلك القيمة التي وصل إليها اليوم وأكثر، في ظلّ تطبيق الخطّة الكاملة التي وضعها صندوق النقد؛ للخروج من المشاكل الهيكلية الموجودة في الاقتصاد المصري". لكنها أشارت إلى صعوبة التكهن بسعر الدولار في الفترة المقبلة.
وتؤكد الدماطي أهمية وجود سعر صرف مرن؛ نظراً لوجود اتفاقات على مجموعة شركات سيتم الاستحواذ على جزء كبير من أسهمها في البورصة، لذلك فإنّ سعر صرف الدولار الحالي مشجّع للشركات التي تم الإعلان عن طرح جزء من أسهمها في البورصة لبدء التحرُّكِ.
المخاطر لا تزال قائمة
وفي هذا السياق، يقول بعض المحللين إن من المؤشرات الرئيسية التي يجب البحث عنها لاستكشاف مسار سعر الصرف في الفترة المقبلة، هو مدى لجوء المستثمرين والأسر لاستخدام الدولار في شراء الجنيه المصري بمعدلاته المنخفضة الحالية، في إشارة إلى أنهم يعتقدون أن هبوط العملة ربما يكون قد وصل إلى أقصى حد.
وقال فاروق سوسة من بنك غولدمان ساكس، في تقرير لوكالة رويترز: "عندما يبدأ مستثمرو المحافظ في العودة، هذه هي اللحظة التي يكون فيها السوق قد أصدر حكمه (فيما يتعلق بحدوث) التوازن. لكن لا توجد طريقة مباشرة لمراقبة التوازن".
وقالت مونيكا مالك، الخبيرة الاقتصادية في بنك أبوظبي التجاري، إنها لا تزال ترى المزيد من المخاطر على العملة بعد التراجع الأخير.
وأضافت "قد لا يكون هذا بحد ذاته كافيا لإعادة رأس المال الخاص إلى أن تظهر دلائل على تراجع التكدس المتراكم على طلب العملات الأجنبية، الأمر الذي يتطلب سيولة جديدة بالدولار الأميركي. لا يوجد حاليا إمكانية لرؤية من أين ستأتي هذه السيولة".
المكسب الأهم
أحمد معطي، الخبير المصرفي، يشير إلى أنّ مصر تمر حالياً بفترة تحرير "سعر صرف مرن" لكن البيانات الجديدة من صندوق النقد تشير إلى معطيات إيجابية، وأنّ أهم تلك النقاط هو أحقية البنك المركزي التدخُّل في وقت التقلبات الشديدة، معتبراً ذلك مكسباً للدولة المصرية.
ويؤكد أنّه لم يتوقّع أحد أن يحدث هذا "التقلّب الشديد" في سعر العملة المصرية، مشيراً إلى أن البنك المركزي المصري استخدم آلياته في ضبط السوق المصرفي.
وشدد على أن توقعات الجنيه في الفترة المقبلة يصعب التكهن بها، ولكن في تقديره لن يكون هناك سيناريوهات سيئة للغاية مثل لبنان أو الأرجنتين، فحتى بيانات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن الاقتصاد المصري سينمو 4 بالمئة خلال العام الجاري، ثم 5.3 بالمئة العام المقبل، ثم 5.7 بالمئة، ثم 5.9 بالمئة.
وعن كيفية وتوقيت تدخُّل المركزي في التقلّبات الشديدة يقول: "التقلبّات الشديدة تحدث حين تنخفض قيمة العملة أعلى من 5 بالمئة- وفقًا لتقديري الشخصي- رغم أنَ البنك المركزي لم يعلن ذلك صراحة، الجنيه تراجع بأكثر من ذلك اليوم".
وتوقّع معطي أن يستمر ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه خلال الفترة المقبلة، على أن يتراجع مرة أخرى، ثم الوصول إلى مرحلة الاستقرار في النهاية، وربما يستغرق ذلك من 3 أشهر لـ 6 أشهر.
الوضع الطبيعي
ويشير عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، النائب محمود الصعيدي، إلى أن النظام الذي يعمل به البنك المركزي المصري حالياً هو مرونة سعر صرف للجنيه أمام الدولار، ولا يتدخّل فيه المركزي المصري.
ويوضّح أنه لا يتوقع أن يزيد سعر الدولار عن الثلاثين جنيهاً مصريًّ في الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن الطبيعي في حالة سعر الصرف المرن هو "التحرُّك صعوداً وهبوطاً".
ويفسّر النائب بالبرلمان المصري أن حدوث مضاربات على سعر الدولار أو قفزات غير مسبوقة أو متوقعة، هو ما أشار إليه صندوق النقد الدولي بالسماح للبنك المركزي بالتدخل في حالات التقلُّبِ بشدّة.
وارتفع صافي الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية في مصر خلال شهر نوفمبر الماضي بنحو 121 مليون دولار، في زيادة للشهر الثالث على التوالي، ليصل إلى 33.532 مليار دولار، بحسب بيان صادر عن المركزي المصري.