زاد الاردن الاخباري -
طارق ديلواني - مع بداية عام 2023 تفاقمت معاناة المقترضين الأردنيين من البنوك، إذ إن ارتفاع قيمة الفوائد أكثر من مرة جعل من إمكانية سداد القروض حلماً بعيد المنال، وكابوساً يومياً في ظل ثبات الأجور وتزايد الغلاء وتراجع مستويات المعيشة.
ومع ارتفاع مديونية الأفراد لدى البنوك في الأردن إلى 16 مليار دولار، ووجود نحو مليون ونصف المليون مقترض، يلقي مراقبون باللائمة على ارتباط السياسة النقدية الأردنية بالبنك المركزي الأميركي، وربط الدينار بالدولار.
زيادة أعداد المقترضين
تظهر بيانات البنك المركزي الأردني زيادة أعداد المقترضين الأفراد بنسبة 4.3 في المئة، وبشكل مضطرد منذ عام 2017، بموازاة زيادة كبيرة لحجم المبالغ المقترضة.
وخلال الأعوام الأخيرة ترتب على المقترضين رسوم وفوائد إضافية لقاء تأجيل أقساطهم بسبب جائحة كورونا أو على خلفية رفع أسعار الفائدة بشكل متكرر.
وتوضح البيانات أن الأردنيين يقترضون بالدرجة الأولى من أجل السكن وشراء منازل وشقق، تليها القروض الفردية ثم قروض شراء السيارات. وفيما كانت أغلبية المقترضين من الذكور وبنسبة 81 في المئة، ناهز عدد المقترضات الإناث ربع مليون امرأة بنسبة 18 في المئة.
اقتراض ينتج متعثرين
يستغرب اقتصاديون كيف أن ارتفاع أسعار الفائدة لعدة مرات متتالية لم يكن حائلاً دون توجه الأفراد للاقتراض من البنوك، خصوصاً في فترة كورونا، ويفسر هؤلاء ما يحدث بأنه نتيجة طبيعية لتراجع مستويات الدخل وعدم قدرة الأفراد على توفير الاحتياجات الأساسية.
ويبدو أن سياسة الاقتراض والتسهيلات التي قدمتها البنوك الأردنية خلال السنوات الماضية أنتجت نحو مليون متعثر معظمهم من التجار المطالبين بسداد أكثر من ملياري دولار، وهو ما دفع الحكومة لإجراء تعديلات على قانون التنفيذ القضائي منعت حبس المدين الذي تقل ديونه عن سبعة آلاف دولار.
ولا يقتصر الأمر على البنوك، إذ تضم القائمة مقترضين من مؤسسات إقراض أخرى ومنشآت ومحال تجارية.
ووفقاً للإحصاءات الحكومية، زاد عدد الأفراد المطلوبين بسبب عدم تسديد ديونهم أو قروضهم عشرة أضعاف في أربعة أعوام فقط، وحالياً يشكل هؤلاء نحو 16 في المئة من نزلاء السجون الأردنية.
ويطرح منير ادعيبس مدير مؤسسة "تضامن" إشكالية ارتفاع نسب اقتراض النساء من مؤسسات مالية لكن غير مصرفية وما يترتب على ذلك من تبعات، حيث تشير الأرقام إلى وجود ما يزيد على 315 ألف مقترضة.
تلجأ معظم النساء، بحسب ادعيبس، إلى هذه الطريقة للاقتراض لعدم وجود ضمانات لديهم للبنوك أو عدم توافقهن مع السياسة الائتمانية للبنوك، لكن ذلك يرتب لاحقاً مشكلة إنسانية اجتماعية تتمثل في تحويل أغلبهن إلى متعثرات يواجهن السجن.
مقصلة الفوائد
وانتصر القضاء الأردني قبل أيام لصالح المقترضين، حيث أصدرت محكمة التمييز قراراً بمنع رفع أسعار الفائدة الجديدة على العقود السارية والقديمة للمقترضين واقتصارها على الجديدة فقط.
وقالت المحكمة في قراراها "لا يستطيع البنك الدائن بإرادته المنفردة رفع نسبة الفائدة عن النسبة المتفق عليها عند إبرام العقد في ظل صدور قرار جديد من البنك المركزي برفع نسبة الفائدة".
ويشكو أردنيون لـ"اندبندنت عربية" كيف تضاعفت قيمة أقساطهم الشهرية المستحقة للبنوك بعد رفع أسعار الفائدة العام الماضي نحو ست مرات متتالية.
يقول أحدهم، إن قرضه السكني الذي كان يفترض أن ينتهي بعد ثلاثة أعوام، تأجل استحقاقه لخمس سنوات إضافية، بينما يقول آخر بتهكم إن سيارته التي اشتراها عن طريق البنك انتهى عمرها الافتراضي بينما لا تزال أقساطها المستحقة تتراكم. ويستهجن آخرون قيام البنوك الأردنية بإرسال إشعارات للمقترضين على هواتفهم النقالة تعلمهم بارتفاع قيمة القسط الشهري أو مدة القرض.
في مواجهة هذه الشكوى، يبرر البنك المركزي الأردني قيامه برفع سعر الفائدة عدة مرات، بمحاولة تثبيت سعر الصرف للدينار الأردني والمحافظة على استقراره وضمان عدم انخفاض قيمته.
خلال الفترة الأخيرة ازدادت نسبة ارتفاع أسعار الفائدة في البنوك الأردنية نحو 12 في المئة، ويعتبر المتخصص الاقتصادي عامر الشوبكي أن سبب ذلك هو ارتباط سعر الدينار بالدولار، فضلاً عن أن البنك المركزي مقيد بقرارات البنك الفيدرالي الأميركي رغم اختلاف المعطيات الاقتصادية في الأردن وفي الولايات المتحدة.
أحلام مؤجلة
ومع ارتفاع أسعار الفائدة مراراً، بات حلم امتلاك شقة سكنية بعيد المنال بالنسبة لكثير من الأردنيين، وسط توقعات بركود قطاع العقار وهو أحد أبرز القطاعات المتضررة خلال جائحة كورونا، حيث يقدر عدد المساكن في الأردن بنحو مليونين و300 ألف مسكن 45 في المئة منها في العاصمة، فيما تبلغ نسبة الشقق نحو 83 في المئة منها.
وإلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة، لم تعد البنوك الأردنية تقدم التسهيلات البنكية المعتادة كالسابق، ورغم رفع الحكومة قيمة إعفاءات رسوم شراء المساكن، تكفي جولة واحدة في شوارع العاصمة وسوق العقارات للاطلاع على حجم الركود في هذا القطاع، إذ تنتصب مبان عديدة في أحياء عمان من دون أن تجد مشترين.
سلبية أم إيجابية؟
يصف الكاتب ماهر أبو طير معضلة القروض البنكية بأنها أزمة بلا حل، ويقول إن اقتراض الأفراد من البنوك بات ملفاً اقتصادياً مقلقاً له تأثيراته السياسية، والاجتماعية، بخاصة أن الافراد يستدينون من أجل تغطية التزاماتهم أو شراء شقة أو سيارة وهي ديون مع فوائدها تستهلك جانباً لا بأس به من رواتبهم وأجورهم.
يؤكد المتخصص الاقتصادي سليم أبو الشعر أن تأجيل البنوك لأقساط القروض قد يريح المقترضين لفترة، لكن ذلك سيضيف عبئاً إضافياً عليهم مع زيادة الفوائد.
بينما يعتبر الكاتب الاقتصادي سلامة الدرعاوي أن نسبة التعثر في سداد الديون على مستوى الأفراد في الأردن هي من أقل النسب في العالم، حيث لا تتجاوز 4.5 في المئة، مقارنة بنسبة تعثر عالمية تصل إلى ثمانية في المئة.
وخلافاً لكثيرين يرى درعاوي أن القروض تسهم في دفع عجلة الاقتصاد وهي لا تعطى في الأساس إلا لمن كان قادراً على السداد، لافتاً إلى جانب آخر من المعادلة وهي ارتفاع ودائع الأردنيين في البنوك إلى ما يزيد على 56 مليار دولار.
"انديبنت عربية"