سميح المعايطة - تقول أرقام مفوضية شؤون اللاجئين في الأردن انه منذ عام 2011 وحتى عام 2019 كان عدد المواليد من اللاجئين السوريين في الأردن حوالي 125 ألف سوري، وهو رقم يتزايد مع كل يوم من أيام الأزمة واستمرار غياب الأشقاء عن وطنهم.
والأرقام تقول إن هناك جيلا من السوريين ليس من المقيمين في الأردن فقط بل في كل دول العالم لم يروا بلادهم ولم يعيشوا فيها ولم يزوروها.
ما يتحدث به اهل السياسة يتجاوز حقائق اجتماعية وانسانية كبرى، فإذا كان مهما أن يلتقي وزيرا دفاع أو خارجية سورية وتركيا، أو يزور بشار الأسد دولة عربية أو يتحدث هاتفيا مع قائد عربي لكن الأهم ان هذه الملايين من الشعب السوري الموجودين في دول العالم وملايين المواليد الجدد في الأردن والعالم من السوريين الذين لم يروا بلادهم، هؤلاء قصة اخرى سياسية واجتماعية واقتصادية وانسانية.
نحن في الأردن نتعامل مع ملف اللجوء السوري ليس فقط بإبعاده الانسانية بل بأبعاد عربية ومع أشقاء، ولهذا فعودة السوري الى وطنه يجب ان تكون طوعية، وهناك الآف منهم عادوا إلى سورية وفئات منهم يتنقلون بين الأردن وسورية، لكن ما تزال الأعداد محدودة رغم التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية في سورية، لكن المشكلة ان حوالي 70 % من السوريين في الأردن هم من الجنوب السوري المباشر أو الأبعد أي في مناطق ما تزال فيها تفاصيل أمنية وعسكرية كثيرة.
الرئيس التركي اردوغان تحدث قبل ايام عن ان هناك حوالي نصف مليون سوري عادوا إلى سورية الى المناطق الآمنة التي اقامتها تركيا في المناطق الحدودية التي تخضع لسيطرة قوى سورية موالية لتركيا او جهات اخرى، لكن طبيعة الحدود التركية السورية ومن يحكمها تجعل الحيش التركي قادرا على انشاء المنطقة الآمنة.
لكن مشكلة اللجوء في بلادنا ولبنان وتركيا لها آثار كبيرة تتجاوز كلف وجود السوريين في أراضي هذه الدول، فنحن في الأردن مثلا اصبح لدينا جيل من السوريين الذين ولدوا وعاشوا في الأردن خلال سنوات الازمة، ومع كل عام يمضي دون حل حقيقي للأزمة هنالك زيادة في نسب المواليد والسكان والجيل الذي لم يعرف سورية.
جيل سوري جديد من مئات الآلاف من الشباب الذين لهم احتياجاتهم من التعليم والصحة والغذاء والماء والطاقة ولديهم قناعاتهم وآراؤهم وميولهم السياسية يعيشون في الأردن وتتزايد أعدادهم بل ان جزءا من هذا الجيل تزوج او سيتزوج وينجب، انه “شعب” سوري جديد ولد او كبر في الأردن وعاش فيها كل سنوات حياته.
ومعلوم أن النظام السوري ليس في عجلة من أمره لعودة السوريين وخاصة مع تفاقم الازمة الاقتصادية هناك وعجز الدولة السورية عن تأمين أدنى متطلبات الحياة للسوريين، ولهذا فليس معنيا بعودة اي سوري ليبحث عن عمل وكهرباء وبنزين…، كما ان الاوضاع الاقتصادية الصعبة جدا داخل سورية عامل طارد تجعل اي سوري لا يفضل العودة والعيش تحت المعاناة.
والنظام السوري ليس معنيا بعودة من هاجروا وايضا “الشعب السوري الجديد ” الذي نشأ وولد خارج سورية لأنه ينظر إليهم من منظار أمني لانه لا يعلم ميولهم السياسية وانتماءاتهم التي نشأت بعيدا عن أعين الأمن السوري، إضافة إلى الجوانب الاخرى.
وفي سورية هنالك العمل المنظم الذي تقوم به ايران لتغيير البنية السكانية وحتى الجغرافيا لاستبدال سكان مدن وقرى بسكان على اسس طائفية، واعادة بناء مناطق مدمرة واحلال اتباع ايران طائفيا فيها، فإيران لا تريد ان يكون وجودها العسكري في سورية هو العنوان بل تريد وجودا اكبر واطول بقاء.
ليست القضية فقط تراجع اهتمام العالم بملف اللاجئين السوريين، بل ان هذا الملف فيه تفاصيل تتجاوز المساعدات التي تقدم للسوري في المهجر، فهناك واقع اجتماعي جديد ينشأ بين السوريين، وشعب جديد يعيش في كل بلد ومنها الأردن له تفاصيل وتضاريس لا يمكن تجاهل آثارها.