الْكَاتِبُهُ : هِبَةُ أَحْمَدَ الْحَجَّاجِ - "عَلَى رَأْيِ الْمِثْلِ "
مِنْ مِنَّا لَمْ يَسْمَعْ هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَلَى مَرِّ حَيَاتِهِ ؟مِنْ مِنَّا لَمْ تُقَالْ لَهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ بِسَبَبٍ أَوْ حَتَّى مِنْ دُونِ سَبَبَبٍ ؟ فَالْحُكْمُ وَالْأَمْثَالُ الشَّعْبِيَّةُ تُعْتَبَرُ مِنْ الْجَوَانِبِ الْهَامَّةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى فَهْمِ الْحَيَاةِ عَلَى حَقِيقَتِهَا، أَنْتَ مَاذَا تَعْرِفُ عَنْ الْحُكْمِ وَالْأَمْثَالِ الشَّعْبِيَّةِ؟ كَثِيرًاً مَا نَسْمَعُ عَنْ الْحُكْمِ وَالْأَمْثَالِ الَّتِي تُقَالُ فِي الْمُنَاسَبَاتِ، عِدَّةَ تَشْبِيهَاتٍ أَوْ عِبَارَاتٍ تَعْلِيمِيَّةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا ،إِنَّهَا تَزِيدُنَا خِبْرَةً عَلَى خِبْرَاتِنَا وَحِكْمَةً وَحُنْكَةً فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْآخَرِينَ وَغَيْرِهَا ، هَذِهِ مِنْ جِهَةٍ وَلَكِنْ لَيْسَتْ كُلُّ الْأَمْثَالِ وَالْأَقْوَالِ صَحِيحَةٌ مِئَةٌ بِالْمِئَةِ ، عَلَى رَأْيِ الْمِثْلِ " كُلُّ شَيْءٍ زَادَ عَنْ حَدِّهِ انْقَلَبَ ضِدُّهُ " ، مَثَلًا :
مَنْ عَلَّمَنِي حَرْفًاً صِرْتُ لَهُ عَبْدًاً ،
لَكِنَّ الْأَصَحَّ ،مَنْ عَلَّمَنِي حَرْفًاً صَنَتْ لَهُ عَهْدًاً .
أَبْعَدَ عَنْ الشَّرِّ وَغَنِيٌّ لَهُ ،
الْأَصَحُّ ابْعُدْ عَنْ الشَّرِّ وَقِنّ لَهُ .
كَثُرَ السَّلَامُ يَقِلُّ الْمَعْرِفَةَ ،
الْأَصَحُّ كَثُرَ السَّلَامُ يٌجُلُّ الْمَعْرِفَةَ .
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا الْمِثَالِ ، اسْتَوْقَفَنِي بُرْهَةً مِنْ الزَّمَنِ ، أَلَا وَهُوَ ، اسْأَلْ مُجَرَّبٌ وَلَا تَسْأَلْ طَبِيبٌ ،
وَ الصَّحِيحُ : اسْأَلْ مُجَرِّبَ وَلَا تَنْسَى الطَّبِيبَ .
عَلَى ضَوْءِ ذَلِكَ تَذَكَّرَتْ قِصَّةٌ مُنَاسِبَةٌ لِهَذَا الْمَثَلِ أَلَا وَهُوَ : سَأَلَ الثَّعْلَبَ جَمَلًاً وَاقِفًاً عَلَى الضِّفَّةِ الْأُخْرَى مِنْ النَّهْرِ
فَقَالَ لَهُ إِلَى أَيْنَ يَصِلُ عُمْقُ مَاءِ النَّهْرِ ؟
فَأَجَابَهُ الْجَمَلُ : إِلَى الرُّكْبَةِ.
قَفَزَ الثَّعْلَبُ فِي النَّهْرِ فَإِذَا بِالْمَاءِ يُغَطِّيهِ،
سَعَى جَاهِدًا لِيُخْرِجَ رَأْسَهُ مِنْ الْمَاءِ، بَعْدَ جَهْدٍ مُضْنٍ وَمَشَقَّةٍ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقِفَ عَلَى صَخْرَةٍ فِى النَّهْرِ .
وَعِنْدَمَا الْتَقَطَ أَنْفَاسَهُ اللَّاهِثَةَ صَرَخَ فِي وَجْهِ الْجَمَلِ قَائِلًا :
أَلَمْ تَقُلْ أَنَّ الْمَاءَ يَصِلُ إِلَى الرُّكْبَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ يَصِلُ إِلَى رُكْبَتِي !
الْفَائِدَةِ :
حِينَ تَسْتَشِيرُ أَحَدًاً فِي أُمُورِ حَيَاتِكَ فَهُوَ يُجِيبُكَ حَسْبَ تَجَارِبِهِ الَّتِي نَفَعْتَهُ وَكَثِيرًاً مَا تَكُونُ حُلُولُهُ مُنَاسَبَةً لَهُ فَقَطْ
وَقَدْ لَاتَنَاسَبْكَ فَلَا تَأْخُذْ تَجَارِبَ غَيْرِكَ الْخَاصَّةَ حُلُولًاً قَطْعِيَّةً لَكَ لِأَنَّهَا قَدْ تُغْرِقُكَ.
حَيَاتِكَ لَيْسَتْ كَحَيَاةِ الْآخَرِينَ فَلَا تَقِيسْ شَأْنَهُمْ بِشَأْنِكَ فَلَيْسَ كُلُّ مَايَنَاسِبْكَ يُنَاسِبُهُمْ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَايَسْعُدِهُمْ يُسْعِدُكَ أَوْ مَايِهْمُكَ يُهِمُّهُمْ .
"شُعُورٌ مُرْهِقٌ عِنْدَمَا تَنْظُرُ إِلَى تَفَاصِيلِ حَيَاتِكَ مِنْ خِلَالِ تَجَارِبِ الْآخَرِينَ".
أَنْتَ تَخْتَلِفُ عَنْهُمْ بِظُرُوفِكَ، بِرُؤْيَتِكَ، بِقُدُرَاتِكَ، لِذَا أَرْجُوكَ لَا تَعْتَمِدُ دَائِمًا عَلَى تِجَارِبِ الْآخَرِينَ لِتَقِيسَ عَلَى أَسَاسِهَا نَتَائِجَ تَجْرِبَتِكَ، كُنْ مُؤْمِنًا بِاخْتِلَافِكَ.
قَدْ تَسْأَلُ نَفْسَكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ الْآنَ : كَيْفَ ذَلِكَ ؟!
التَّجَارِبُ نَافِعَةٌ لِلْإِنْسَانِ؛ تُكْسِبُهُ الْخِبْرَةُ، وَتُقَوّي عِنْدَهُ الْقُدْرَةَ عَلَى اتِّخَاذِ الْقَرَارَاتِ.
وَأَنَا سَأُجِيبُكَ :
أَنْ تُجَرّبَ مَا جَرّبَهُ الْآخَرُونَ، وَبِنَفْسِ طَرِيقَتِهِمْ، وَقَدْ تَبَيَّنَ فَشَلُهُمْ؛ فَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْبَلَادَةِ، وَضَرْبٌ مِنْ تَضْيِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَلَيْسَ فِي الْعُمْرِ مَا يَسْمَحُ بِذَلِكَ.
فَالْعُمْرُ مَهْمَا طَالَ قَصِيرٌ، فَاسْتَفَدَّ مِنْ تَجَارِبِ الْآخَرِينَ، وَاجْتَنَبَ تَكْرَارَ الْفَشَلِ.
وَقَدْ تَتَسَاءَلُ مَرَّةً أُخْرَى وَتَقُولُ : نِصْفُ تَرْبِيَةِ الْإِنْسَانِ ذَاتِيَّةٌ ،
يَتَرَبّى مِنْ الْقِرَاءَةِ وَ مِنْ التَّجَارِبِ ، وَمِنْ مَا يَحْدُثُ لِلْآخَرِينَ وَ كُلُّ شَيْءٍ يَدّلُّهُ لِلصَّوَابِ وَيَصْنَعُ مِنْهُ شَخْصِيَّةَ مُتَعَاطِفِهِ وَ لِيّنِهِ مَعَ أُمُورِ الدُّنْيَا. الْعَائِلَةُ تُعْطِيكَ النِّصْفَ، لَكِنْ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَصْنَعَ شَخْصًا عَاقِلًاً دُونَ أَنْ يُشَارِكَ هُوَ أَوَّلًاً.
سَأُجِيبُكَ :
الذَّكِيُّ وَالنَّاجِحُ هُوَ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَأَقْلَمَ مَعَ أَيِّ وَضْعٍ بَلْ وَأَنْ يَجْعَلَهُ يَعْمَلُ لِصَالِحِهِ مَهْمَا بَلَغَتْ شِدَّتُهُ .
الْحَيَاةُ دَائِمَةُ التَّغَيُّرِ وَمَنْ لَا يَتَغَيَّرُ ؟! وَيَتَأَقْلَمُ مَعَ مُجْرَيَاتِ الْحَيَاةِ وَوَقَائِعِهَا ، سَيَشْعُرُ أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ كَثِيرًا عَنْ الْآخَرِينَ مُبْتَعِدًا أَمْيَالًا عَنْ النَّجَاحِ.
وَقَدْ تَتَمَسَّكُ بِرَأْيِكَ بَعْضَ الشَّيْءِ، وَتَرُدُّ :
الْحَيَاةُ تَجَارِبُ فَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّمْ مِنْ الضَّرْبَةِ الْأُولَى فَأَنْتَ تَسْتَحِقُّ الثَّانِيَةَ.
وَأَنَا أَقُولُ لَكَ ، تَجَارِبُ الْحَيَاةِ لَيْسَتْ لِلْبُكَاءِ ؛ بَلْ لِلتَّعَلّمِ وَصَقْلِ الشَّخْصَيّهِ .
عَلَيْكَ تَقْبَلُ التَّغَيُّرَاتِ الَّتِي تَطْرَأُ عَلَى حَيَاتِكَ وَ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَشْعُرَ بِالْأَمَانِ عَلَى وَضْعِكَ الْحَالِيِّ ، لِتَكُونَ مُسْتَعِدًّا لِأَيِّ تَغْيِيرٍ قَدْ يَحْدُثُ وَ تَتَمَكَّنُ مِنْ التَّعَايُشِ مَعَهُ ، وَ اعْتَبَرَهُ نُقْطَةَ تَحَوُّلٍ فِي مِشْوَارِكَ وَ انْطِلَاقَةً لِخَوْضِ تَجَارِبَ جَدِيدَةٍ تَتَعَلَّمُ مِنْ خِلَالِهَا دُرُوسًا جَدِيدَةً ، فِي كُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا اسْتِنَادًا إِلَى دُرُوسِكَ السَّابِقَةِ وَ أَخْطَائِكَ الْمُتَكَرِّرَةِ وَ عَادَاتِكَ السَّيِّئَةِ .
لَا تَتَمَسَّكُ بِالْمَاضِي وَ أَحْدَاثُهُ الْجَمِيلَةِ لِكَيْ لَا تُصْدَمَ عِنْدَ أَوَّلِ تَغْيِيرٍ ، كُنَّ سَرِيعَ التَّأَقْلُمِ فَالْحَيَاةُ مَلِيئَةٌ بِالْمُفَاجَئَاتِ وَ الْفُرَصِ ،
وَ إِنْ طَرَحْتَ عَلَيَّ سُؤَالٌ : كَيْفَ أَسْتَفِيدُ فِعْلِيًّاًّ مِنْ تَجَارِبِ الْآخَرِينَ ؟
سَأُجِيبُكَ وَبِكُلِّ سُرُورٍ : اجْعَلْهَا تَخْتَصِرُ عَلَيْكَ الْوَقْتَ وَالْجَهْدَ، وَتُوَجِّهْ انْطِلَاقَتَكَ فِي الْحَيَاةِ مِنْ حَيْثُ تَوَقَّفَ الْآخَرُونَ .