مكرم أحمد الطراونة - لم يعد الجمر تحت الرماد، فقد ظهر إلى السطح، وأصبح يراه الجميع. دولة الاحتلال تمر بمرحلة تيه تدفع بها نحو مزيد من الهزات الداخلية والخارجية، فيما تعصف بها أزمات لم ولن تستطيع حكومة المتطرف بنيامين نتنياهو التخفيف من تأثيراتها العميقة المرتقبة، خصوصا ما يتصل بعلاقاتها الخارجية، إضافة إلى فساد ظاهر في منظومتها الداخلية.
ميادين دولة الاحتلال، شهدت مؤخرا تظاهرات ضد “إصلاحات” قضائية تدفع بها الحكومة، ومن شأنها إطلاق يد الكنيست على أحكام تصدرها المحكمة العليا، ومنحه السلطة بإلغائها، وهو بذلك يريد أن يقدم حماية لنتنياهو الذي تجري محاكمته بتهم فساد تمتد لسنوات، كما يسهل أيضا سن تشريعات سريعة لصالح السعار الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة. الإسرائيليون يعتبرون ذلك هجوما على ما أسموه “نظام الحكم الديمقراطي”، فهم يدركون أن مثل هذه “الإصلاحات” هدفها تحقيق مآرب شخصية وحزبية، وليست مصلحة جمعية.
التظاهرات تزامنت مع إعلان نتائج “جدول الديمقراطية الإسرائيلية”، التي بينت انحدارا حادا في معدل المتفائلين بمستقبل الكيان الصهيوني (من 76 % إلى 49 %). لكن اللافت أنه مقارنة بذروة الثقة بعموم مؤسسات دولة الاحتلال في 2012 (متوسط 61 %) كان هناك انخفاض إلى درك أسفل غير مسبوق (33 %) في قياس 2022، وتحديدا بالنسبة للمحكمة العليا (42 %)، الإعلام (23 %)، الكنيست (18 %) والأحزاب (9 %).
الأزمة الداخلية لا تقف عند هذه الحدود، بل تتعداها إلى تصريحات سياسيين وخبراء إسرائيليين، يؤكدون أن الحكومة الحالية من الممكن أن تكون هي الأخطر على مستقبل الكيان من أي تحديات أخرى، فمع يمينيتها وتطرفها غير المسبوقين، ومحاولات رئيسها ضمان عدم انهيار ائتلافه، بات يقدم تنازلات كبيرة لشركائه، جزء منها يتعارض مع قرارات وتفاهمات دولية متفق عليها، خصوصا ما يتصل بوضع القدس المحتلة، والضفة الغربية المحتلة، وأيضا التزاماته تجاه حدود السلطة الفلسطينية.
على الصعيد الخارجي، ورغم تصريحات نتنياهو أن العدو الأكبر بالنسبة لإسرائيل يتمثل في إيران، إلا أن سياسته الخارجية نجحت في جذب خيبات أمل كثيرة لكيانه الغاصب، بعد أن خسر معارك دبلوماسية مهمة، وتحديدا المتعلقة بالوضع القائم في القدس المحتلة.
الدبلوماسية الأردنية نجحت في خنق الحكومة الإسرائيلية المتطرفة في جانبين مهمين، كان لهما وقع كارثي ومفاجئ على دولة الاحتلال، التي سعت بكل قوتها لمحاولة إغلاق الجبهة التي فتحت ضدها، وقد رأينا كيف اتحد العالم إزاء رفض الإجراءات الاستفزازية الأحادية بعد اقتحام وزير الأمن الإسرائيلي لباحات المسجد الأقصى، فنددت الدول بهذا التطرف، مجمعة في الوقت ذاته على الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة العتيقة.
عند الحديث عن المقدسات المسيحية تحديدا، لم تستطع دولة الاحتلال بعد التعامل مع هذا الملف الذي يقوده جلالة الملك، إلا من خلال محاربة الأردن عبر مقالات صحفية نشرت في مؤسساتها الإعلامية، أو من خلال كتاب صحفيين يعملون في مؤسسات إعلامية في بعض الدول، سعوا لمحاولة تشويه صورة الأردن.
على أرض الواقع، أفاق العالم الغربي المسيحي على حقيقة أن له دورا مقدسا في حماية هذه المقدسات، التي حمل الأردن منفردا لواء الدفاع عنها لعقود، فبدأ الغربيون يتحركون للتعاطي مع هذا الملف، وهو الأمر الذي شكل صدمه حقيقية لكيان الاحتلال.
خسارات الاحتلال سوف تتوالى، خصوصا مع حكومة متطرفة يقودها فاسد متغطرس ومزاجي، يريد أن يضمن على الدوام أنه لن يكون مصيره السجن كبعض أسلافه، وهو على استعداد لعمل أي شيء في سبيل ذلك، حتى لو انقلب على دولته وشعبه وقوانينه، ورمى بالجميع في أتون النار. لعل هذا هو خياره، والأيام ستثبت كم سيخسر الكيان العنصري مع هذا المتطرف الفاسد.