زاد الاردن الاخباري -
عُرف المجاهد العقيد محمود الموسى عبيدات بالعديد من الصفات التي كانت لصيقة بشخصيته الحرة الأبية فقط كان سريعَ البديهة وفطنا وبرزت لديه القدرة على حل المشكلات والتفكير المنطقي السليم وحرصه على تقدير الأمور بالإضافة إلى تحليه بالقيم العربية مثل الكرم والشجاعة والشهامة والثقة بالنفس فهو بحق رجل الممكن ، رجل الاعتدال ، رجل المثابرة والإنجاز رجل الانتماء لوطنه وعقيدته كان صادق الصداقة وفياً لين الجانب ، هادئا ، رضي المعشر فمن ينظر إلى محمود الموسى فمحمود الموسى قد مات ولكن ما أنجزه ما استحق من ثقة وتقدير فهو باقْ في كل أردني مخلص صادق الانتماء لوطنه ولأمته.
جاء في مذكرات العقيد محمود الموسى العبيدات قوله: قاتل أفراد الجيش العربي الأردني في القدس قتال الشجعان ولم يحسبوا للموت حساباً بل تمنوه عند أسوارها إذا كان هذا الموت يحقق بقاء القدس بيد العرب ، وقد بيّنتُ للقوات التي كانت بإمرتي بأن الدفاع عن عروبة القدس وهويتها المقدسة أكثر من واجب ، بل هو فريضة على كل من يحمل السلاح ، لأن الجهاد من أجل القدس ، هو الجهاد في سبيل الله ، وذلك لأن القدس عند العرب والمسلمين مقدسة بمسجدها الأقصى ثالث الحرمين ، وأولى القبلتين ، مسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي بوابة أهل الأرض للصعود نحو السماء ، فهي أرض المحشر والمنشر ، ولا يعمر فيها ظالم. وهي (القدس) التي يرقد فيها مئات الصحابة والتابعين وفي مقدمتهم ، عبادة بن الصامت ، وشداد بن الأوس ، وذو الأصابع ، رضي الله عنهم وبالتالي من الصعب على العرب والمسلمين أن تدنس هذه المقدسات من قبل مجموعات معروفة بحقدها على المؤمنين لأن هذه المجموعات لم ترث إلا الخسة من أجدادها الذين عبدوا الأوثان وأصنام الذهب والنحاس.
كان المرحوم محمود الموسى يكره الجنود الانجليز وتحديداً كلوب باشا الذي كان يحاول استمالة العقيد العبيدات ولكن محمود الموسى كان عصياً عليه ولم يستطع أن ينفذ إليه بالرغم من الكثير من المحاولات ولكنه وفي مطلع الخمسينيات قرر كلوب باشا إرسال محمود الموسى في دورة عسكرية إلى بريطانيا فنفذ محمود الموسى هذا الأمر من أجل التزود بالعلوم العسكرية وفنون القتال من المدرسة العسكرية وقد اجتاز محمود الموسى الدورة بنجاح باهر وعندما عاد إلى الأردن سأله كلوب باشا قائلاً: كيف وجدت الانكليز؟ فأجاب محمود الموسى بأنهم مؤدبون في وطنهم أما خارج بلادهم فتجدهم شياطين.
وأضاف المؤرخ العبيدات قائلاً: في عام م1940 قررت القيادة العسكرية البريطانية الاستعانة ببعض وحدات الجيش الأردني ، لترابط في فلسطين وحدّد عملها فقط بحراسة المعسكرات والمطارات ومحطات سكة الحديد وكذلك حراسة المؤسسات والدوائر التابعة لسلطة الانتداب البريطاني. وبعد صدور قرار التقسيم وبدء الاشتباكات بين العرب واليهود شعر الضباط العرب باختلاف التوازن لصالح المنظمات اليهودية فقرروا بذل كل ما في وسعهم للإسهام في أعمال التدريب على السلاح. وفي هذه الأثناء كان محمود الموسى رئيساً لسرية الأمن الأولى المتواجدة في مدينة حيفا وقد بذل هو وأفراد سريته في حيفا جهداً كبيراً في تدريب الشبان الراغبين في حمل السلاح.
وبتوجيهات من المجاهد محمود الموسى العبيدات في سوم 13 ـ 5 ـ 1948 تحرك فارس مقربة كفارعصيون نواف جبر الحمود يرأس سريته ودخل المستعمرة وقتل المدافعين عنها من اليهود. ثم بدأت معارك فلسطين تأخذ مساراً جديداً فتحولت المعارك إلى حرب نظامية بين الجيش الأردني وقوات العدو الإسرائيلي.
وكان القائد محمود الموسى على رأس السرية الأولى التي دخلت القدس وفي طليعة القوات الأردنية بعد أن أمضى وقتاً في استطلاع تحركات اليهود واختيار الطرق المناسبة للإطلاع على المنطقة متمكناً من احتلال 'باب النبي داؤد' والبرج المقام وقطع على اليهود الاتصال بالحي اليهودي وجاء في مذكرات المجاهد محمود الموسى قوله: 'سرت إلى حي المغاربة من جهة 'حائط المبكى' وكانت الحظيرة مسلحة: بمدفع ، وبرن ، وبنادق وطمونات وباشرنا فتح النار على استحكامات العدو وبدأ تبادل النار وقد استطعنا تدمير بعض الاستحكامات بوساطة المدفع الصاروخي وتقدمت نحو 'الكنيس' ومعي قنبلتان يدويتان ولما اقتربت من الشباك الذي يؤدي إلى القبو نزعت مسمار الأمان من القنبلة الأولى ودحرجتها من الشباك للداخل فانفجرت عندها ثم رميت القنبلة الثانية بنفس الطريقة وعند ذلك قذفني أحد اليهود قنبلة من منزل مجاور يعلو المكان الذي أقف فيه فجرحت في كتفي اليمنى.
ومما يجدر ذكره أن المجاهد محمود الموسى العبيدات تعرض للكثير من محاولات الاغتيال لأنه كان يشكل مانعاً قوياً أمام طموحاتهم العسكرية الإرهابية وكانت محاولات قتله تتم من خلال التركيز على أماكن وجوده والتي كانت دائماً في المقدمة ولكن قوات اليهود لجأت إلى أسلوب آخر وذلك بتنفيذ المؤامرة بقتله وجهاً لوجه عن طريق اثنين من جنود العدو حيث قال: 'وبعد أن مررت عنهما ظهراً وأرادا قتلي ربما كان مقصد العدو من إرساله نفرين ، قطع الطريق علي وأسري بعد ذلك تم قتل اثنين من اليهود أحدهما قتله العريف عبد الكريم محمود والآخر قتله الجندي محمود خليل عن بعد مائة ياردة.
وللمجاهد محمود الموسى العبيدات الكثير الكثير من المواقف وفي حياته الكثير من الأحداث والتي لا يسعنا في هذا المقام التعرض لها جميعها والتي تدل على عروبته وقوميته.
وقال الدكتور المناضل عبد الرحمن شقير في شخصية المرحوم المجاهد محمود الموسى العبيدات: حياته كلها نضال وتضحية وسيرته كلها شرف وإباء ونخوة. ما توانى عن خدمة وطنه لحظة واحدة ، وما تخاذل في المواقف العصيبة والمصيرية وعندما يكون الحديث عن محمود الموسى يكون الحديث عن القدس أيضاً وهذا التوافق بينهما أصبح محفوراً على كل حجر من أحجار سور القدس وعلى كل زاوية من زوايا 'المسجد الأقصى' وعقد القرآن بينهما حفظاً للحقوق ، يحتفظ به كل مواطن كان في القدس ، وبعد خمسين عاماً لا فرق بين القدس وفارسها. فقدت الأمة العربية علماً من أعلامها وفارساً من فرسانها ترجل فارس وتداعى صرح من صروح البطولة وولى إنسان كبير. اهتزت لموت أبي هاني مكارم الأخلاق وانطفأت منارة من منارات الإيمان بالوطن والخلق الكريم.
وتحدث المرحوم 'مؤنس الرزاز' في شخصية محمود الموسى العبيدات فقال: كان محمود الموسى العبيدات والأبطال الذين يقاتلون معه بحاجة إلى مزيد من السلاح والعتاد ولكنهم كانوا مدججين بإرادة المواجهة والبطولة الملحمية والإيمان بقضية قومية تحريرية لا لبس فيها ولا غموض. نواسي أنفسنا بأن هذا البطل لم يترجل عن صهوة الحياة البطولية ، إلا بعدما شاهد بأم عينيه جيل الحجارة في فلسطين المحتلة ، وهم يحملون راية النضال العريقة بيد ، ويحملون باليد الأخرى ذات الحجارة التي تمنى المرحوم أن يغسلها بدمه الطاهر عام 1948م.
وقال المؤرخ سليمان الموسى في كتابه 'أيام لا تنسى' متناولاً شخصية المجاهد محمود الموسى: ولد المرحوم محمود الموسى العبيدات في قرية كفرسوم بمحافظة اربد بالمملكة الأردنية الهاشمية سنة م1914 والتحق بالجيش العربي الأردني ، وساهم في حرب القدس الشريف سنة م1948 وكان بطلَ تحرير القسم الشرقي منها وقد توثقت عرى الصداقة والأخوة بيني وبينه أثناء القتال الدامي في القدس سنة 1948 وبعده ، ووجدت فيه نعم المجاهد المسلم الصامت والمتقشف ، ونقل من القدس بعد المعركة وارتفعت مكانته في الجيش العربي الأردني فأصبح عقيداً ومديراً للاستخبارات العسكرية.
وكتب الدكتور أسعد عبد الرحمن ذكريات وخواطر قال فيها: ليس ثمة من هو أحق من محمود الموسى وأمثاله بالتكريم. فهو قد أكرم الأمة العربية بعطائه في شبابه وفي كهولته. كذلك ليس ثمة من هو أحق من محمود الموسى وأمثاله بالتقدير فقد كان رحمه الله انموذجاً يحتذى من قبل الشرفاء. لقد شكلت سيرة حياة محمود الموسى فيصلاً ما بين من يعيش لخدمة أمته وبين من يعيش موظفاً الأمة في خدمته. لقد كان الرجل - دائما - القامة العالية وعندما يدخل رجل تاريخي مثل أبي هاني في ذمة التاريخ لا نقول له وداعاً ، بل نقول له: أهلاً وسهلاً ، وذلك أنه يزورنا في كل لحظة.