كانت هذه الزاوية الصحفيّة على مدى الفترة الماضية مختصّة بكلّ تفاصيل الموازنة العامّة والّتي أشبعت تحليلاً من كافّة جوانبها، للوصول إلى رؤية واضحة لراسمي السياسة الماليّة ومجلس الأمّة، ووقوفاً على حقيقة وضعها الماليّ والمساحة الماليّة الّتي تمتلك الموازنة والّتي على إثرها يمكن التحرّك النسبيّ في معالجة أيّ تشوّهات أو اختلالات مزمنة تتطلّب معالجات حثيثة لها.
الوقوف هنا يكون على المؤشّرات العامّة للانطلاق منها لتفصيل خطّة الدولة الماليّة خاصّة فيما يتعلّق بالملاءة الماليّة الّتي تعكس مقوّمات الموازنة في تحمّل أيّ صدمات خارجيّة، فنسبة الإيرادات العامّة للناتج المحلّيّ الإجماليّ 25.9 %، ونسبة تغطية الإيرادات المحلّيّة للنفقات الجارية 89.1 %، وتغطية الإيرادات المحلّيّة للنفقات العامّة 76.7 %، وتغطية الإيرادات العامّة للنفقات العامّة 83.7 %، ونسبة تغطية النفقات العامّة للناتج المحلّيّ الإجماليّ 31 %، وتغطية العجز بعد المنح إلى الناتج المحلّيّ الإجماليّ 5%، وعجز الموازنة لعام 2023 إلى إجماليّ الدين العامّ المقدّر لهذه السنة 4.7 %، ونسبة الدين العامّ إلى الناتج المحلّيّ الإجماليّ 106.7 % ونسبة فوائد الدين العامّ إلى النفقات العامّة 13.8 % وأخيراً نسبة تغطية الإيرادات المحلّيّة لفوائد الدين العامّ 5.56 %.
على ضوء الأرقام والمؤشّرات والتحليلات الاقتصاديّة السابقة يتّضح أنّ هامش المرونة قليل نسبيّاً في الموازنة، كون أكثر من 86 % منها تذهب للنفقات الجارية، وخصوصاً الرواتب والتعويضات.
تحتاج الموازنة إلى رؤية تحفيزيّة واستثماريّة غير تقليديّة، من حيث تنويع مصادر الدخل ليصبح جزءاً من معادلة الإيرادات الحكوميّة بدلاً من التركيز فقط على الإيرادات الضريبيّة وغير الضريبيّة كمصادر رئيسة، وذلك من خلال تفعيل الاستثمارات الحكوميّة لرفع الإيرادات، وخصوصاً دور شركة إدارة الاستثمارات الحكوميّة.
واضح أنّ مشروع قانون الموازنة يركّز على توفير الدعم والحماية الاجتماعيّة، حيث رصدت الموازنة 277 مليون دينار لدعم السلع الغذائيّة الإستراتيجيّة، و247 مليون دينار كمخصّصات لصندوق المعونة الوطنيّة، لكنّ الآليّة المعتمدة في توزيع الإعانات غير فعّالة بالشكل المطلوب ولا ترتبط بخطّ الفقر.
لا شكّ في أنّ عام 2023 ستتأثّر المملكة بارتفاع كلف الاقتراض، وهذا سيؤثّر بشكل مباشر على ارتفاع خدمة الدين العامّ في الأعوام المقبلة.
ما زال عجز الموازنة مرتفعاً نسبيّاً، إذ سيصل الدين العامّ إلى 39.4 مليار دينار شاملاً ديون الضمان، إلّا أنّ نسبته في الناتج المحلّيّ الإجماليّ ستصل إلى 106.8 % ولن تزيد على حاجز الـ110 % نتيجة لتوقّع الحكومة نموّ الناتج المحلّيّ الاسميّ بنسبة 5.8 %.
إنّ احتساب مؤشّرات الدين العامّ بعد استثناء ديون صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعيّ يصبّ في إظهار الدين بأقلّ ممّا هو عليه، ورغم تأكيدات الحكومة على الالتزام بسداد هذا الدين، إلّا أنّ طريقة الاحتساب قد تفتح شهيّة الحكومة على الاقتراض، ممّا سيفاقم مشكلة الدين مستقبلاً، علماً أنّ صافي الاقتراض (الداخليّ والخارجيّ) سيرتفع في عام 2023 ليصل إلى 2.3 مليار دينار.
لا تزال بعض التحدّيات الجوهريّة تؤثّر في أداء الموازنة العامّة، كديون شركة الكهرباء وسلطة المياه، الّتي تقارب من 7.7 مليار دينار، فيما تشير الأرقام إلى عجز موازنتهما بنحو 837.4 مليون دينار في عام 2023.
أخيراً، لا تزال هناك حالة من عدم اليقين تجاه العديد من المؤشّرات الاقتصاديّة الأردنيّة، وخصوصاً مع استمرار وجود قوانين الدفاع وانعكاسات ذلك اقتصاديّاً واجتماعيّاً.