يستطيع أي شخص أن يقف في دولة عربية أو إسلامية أمام أيا من السفارات الأوروبية في دولته ويحمل بين يديه نسخة من الكتاب المقدس( الإنجيل أو التوراة) للقيام بحرقه أمام مجموعة متطرفة ويتم نقل هذا المشهد المخزي نقلا مباشراً عبر وسائل إعلام مختلفة، وبحماية أمنية من دولته وبحجة أن هذا المتطرف يعبر عن حرية الرأي، دون مراعاة للمشاعر الدينية لاتباع هذه الطوائف ليصل الأمر إلى الازدراء لهذين الدينين – لا سمح الله- ومع أن هذا المثال مستبعد الحدوث في الدول العربية والإسلامية ليس لأن قوانين هذه الدول تجرم هذا الفعل، وإنّما لأن هذه الدول دول متقدمة في قوانينها وفي احترامها للإنسان والأديان، ولان أبناها يتحلون بالأخلاق الحميدة النابعة من دينهم الإسلامي، وفي المقابل نجد أن قوانين دول التخلف الأوروبي تشرع ازدراء الأديان وتلغي النصوص القانونية الخاصة (بتجديف الأديان) عدّ ضرباً من ضروب التعبير عن الرأي، وقوانينها الوطنية لا يعاقب أي شخص ينتهك حرمة الأديان ورموزها.
وعلى فرض الحدوث المستحيل في الدول العربية والإسلامية لحرق الكتب المقدسة للمسحية أو اليهودية أو غيرها من الأديان فإن ذلك يجعل الشخص الذي يفكر بهذا التصرف الأحمق أمام تسألت عدة منها:
1. هل تسمح له معتقداته الدينية (الديانة الإسلامية) بهذا الفعل؟ أن الدين الإسلامي ينظر إلى إن مصدر الديانات الإلهية من عند الله والأصل أنها تستقي من معين واحد مصداقاً لقول الله "" شَرَعَ لَكُم مِنَ الدين ما وَصى بِهِ نوحاً والذي أوحينا إليكَ وَ مَا وصينا بِهِ إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تَفَرقوا فِيه (سورة الشورى الآية رَقَم "13".). وينظر الإسلام إلى الديانتين المسيحية واليهودية بنظرة خاصة فهم أتباع أديان سماوية، يشتركون مع المسلمين في أصل الديانة والرسالة، فتجد القرآن الكريم قد أورد أحاديث متكررة عن أنبيائهم ورسلهم، وتاريخ شعوبهم وحرص الإسلام وضمن تاريخه الطويل في تعامله مع أهل الكتاب، أن يوفر لهم حرية الاعتقاد والدين، مهما كانت تصوراتهم وآرائهم، وهذا ما أوصى به النبي محمداً أصحابه عليه الصلاة والسلام وهذا ما أكدنه المعاهدات معهم، وكما شرع الله الإسلام من الأحكام ما يُقرب العِلاقة بين اتباعه وبين اتباع أهل الكتاب، فأباح أكل طعامهم، والزواج منهم، وفي تلك دعوة لتقوية الروابط، وتمتين لأواصر المودة ما يكفل دوامها وبقائها. وحرص الإسلام على عدم جواز إجبارهم على ترك دينهم، واضطهادهم في عقيدتهم، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا وعلى الدولة الإسلامية المحافظة على حقوقهم فيها. وعلى ضوء تلك القواعد العامة فقد نظر الإسلام إلى الديانات الأخرى النَّظْرَة المعتدلة عنوانها الرحمة، العدل. وعلى ضوء ذلك تثبيت تعاليم الديانة الإسلامية أنه الأكثر تطورا وفي احترامها الإنسان وكرامته ومعتقده وحرية رائية في المقابل تبت الحضارة الأوروبية تخالفها في المحافظة على حرية الإنسان وكرامته ومعتقده وحرية تعبيره الذي تعتدي على الآخر.
2. هل تسمح له سلطات دولته وقوانينها الوطنية بهذا التصرف الفعل من (حمايته) والسماح له بازدراء الأديان وتأجيج مشاعر أصحاب هذه الديانات؟ أن قوانين الدول العربية والإسلامية جميعها تجرم كل من يقوم بأي فعل يزدريه الأديان الأخرى أو إهانة الشعور الديني لهم أو يقوم بأي عمل يوجد به مشاعر أصحاب هذه الديانات فقد أفرد قانون العقوبات الأُرْدُنّيّ في مواده من المادة (273 إلى المادة 287) مواد تتعلق بعقوبات رادعة لمن يقدم على أفعال تمس الشعور الديني أو أماكن العبادة أو إطالة اللسان على الأنبياء أو المقابر أو المجاهرة بالمعاصي لكل الأديان دون تفريق بين معتقد ومعتقد. وكما احترمت القوانين الوطنية في الدول العربية والإسلامية الاختلافات الدينية على أرضيها وأفردت لهم حرية العبادة وإقامة الشعائر الدينية في أوقاتها وحسب معتقداتها منطلقة هذه القوانين من تعاليم الدين الإسلامي ومن مبدأ حرية الدين والمعتقد وهذا دليل تقدم الدول العربية والإسلامية وفي المقابل يتبن لنا مدى تخلف الدول الأوروبية في قوانينها فمعظم الدول الأوروبية عملت على تعديل القوانين والنصوص الخاصة (بتجديف الأديان) وعدتها قوانين ونصوص تحد من حرية الرأي والتعبير فمثلا في القانون الدنماركي نص على (على الرغْم أن الإهانات العلنية للدين لم تعد محظورة، لكن الكلام والأفعال التي تهدد أو تحط من شأن مجموعات معينة من الأفراد بسبب معتقداتهم الدينية ما تزال خاضعة للعقاب) وفقًا للمادة 266 (ب) من القانون الجنائي. إلا أن التشريع الألماني الوحيد من الدول الأوروبية التي يحافظ على تجريم تجديف الأديان في فوانيه الجنائية غير أنه قليل التطبيق لهذا القانون بحجة المحافظة على حرية التعبير والرأي.
3. هل القوانين الدولية تشرع هذا التصرف؟ لقد أشارت القوانين والعهود والمواثيق الدولية إلى احترام المعتقدات الدينية حيث نصت المادة 18 من العهد الدُّوَليّ الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الحق في حرية الفكر والوجدان والدين.، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة. وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة دون تصويت عام 1981 إعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد. وأعترف مجلس حقوق الإنسان، في قراره ٧/١٩ بشأن مناهضة تشويه صورة الأديان، بأهمية احترام وتفهم التنوع الديني والثقافي وأعرب عن قلقه إزاء النظرة النمطية السلبية إلى جميع الأديان وإزاء مظاهر التعصب والتمييز ضدها، ولا سيما تكثيف الحملات الرامية إلى تشويه صورة الأديان وإلى التنميط الإثني والديني للأقليات المسلمة في أعقاب أحداث ١١ أيلول/ سبتمبر ٢٠٠١ المأساوية. وحث المجلس الدول الأعضاء على اتخاذ إجراءات تمنع نشر أفكار ومواد تنطوي على عنصرية وعلي كره الأجانب موجّهة ضد أي دين من الأديان أو ضدّ أتباعه مما يشكل تحريضاً على العنصرية والكراهية الدينية أو العداوة أو العنف. وهذا ما نصت عليه المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وأشارت المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عن أي اضطهاد وتمييز بسبب الدين جريمة ضد الإنسانية، . وأشرت المادة (112/ز) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، عدّ ازدراء الأديان جريمة ضد الإنسانية لأنها تمثل اعتداء على البشرية، كما يمكن إدخالها ضمن الركن المادي من جريمة الاضطهاد الديني والتمييز بسبب الدين. وعليه فقد انسجمت القوانين الوطنية في الدول العربية والإسلامية مع هذا التوجه العالمي والتزمت هذه الدول بقوانينها بالمواثيق والعهود الدولية إزاء احترام الأديان والمعتقدات الدينية. في المقابل كما تعود العالم من الأوروبيون في التعبير عن رجعتهم القانونية إزاء فهمهم العقيم لمفهوم الحرية ولا سيما حرية الرأي فيما إذا تعلق الأمر بالأديان والمعتقدات الدينية حيث وأشار مجلسهم الأوروبي إلى قرار للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان رأت فيه أن الـذين يجـاهرون بدينهم لا يمكن أن يتوقعوا عدم التعرض لأي انتقادات بل يجب عليهم أن يبدوا "تسامحاً وقبولاً إزاء قيام الآخرين برفض معتقداتهم بل حتى الترويج لعقائد مناهضة لمعتقداتهم".
4.ما هي عواقب هذا الفعل على الشخص الذي اقدم عليه وعلى وطنه ومعتنقي ديانته؟
أذ ما نظرنا إلى أتزهدا الفعل من الناحية الشخصية فهذا الفعل ينم عن شخصية مختله عقليا ومضطربة وشخصية باحثة عن شهرة وتسليط الضوء عليها وتعبر عن شخصية تحمل في مكنوناتها الحقد والغل على الأحرين. أما عن اثر هذا الفعل على الدولة التي سمحت بهذا التصرف فأن مصالح هذه الدولة خارجيا وداخليا ستتأثر وهي إلى ذلك تقدم صورة متخلفة عن واقعها ففي فهمها للحرية الرأي والتعبير بل وتكسب أعداء لها من أصحاب الديانات المستهدفة من قبلها، ثم أن هذا التصرف اثره يمتد ليشمل معتنقي ديانة من قام فعلًا ويعرضهم إلى الخطر بالرغم من أن أكثرية معتنقي ديانة من قام بهذا الفعل لا يوافقون عما قام به من تصرف احمق.
وعلى ضوء ما سبق أوجه حديثي هذا إلى كل من يؤمن بان الحضارة الأوروبية حضارة متقدمة وقوانينها قوانين متقدمة في حرية التعبير أقول لهم ارجعوا إلى صوابكم وانظروا بعين الناقد العادلة ... كيف لحرية رأي تضع من قيمة الأخر ومن معتقده أن تكون حرية رأي؟ مع أنّ مخلفتها لأبسط قواعد الحرية ومنها الرأي الذي يحترم الرأي والرأي الأخر. كيف لحرية رأي – حسب وجهة نظر القانون الأوروبي -يجرم من ينتقد المثلية التي تخالف الطبيعة البشرية وينتقدها وبالمقابل لا تجرم من ينتقد المعتقد الإلهي الذي يؤمن به اكثر البشرية ... أخيرا أن حرية التعبير في عالمنا العربي والإسلامي هي نابعة من احترام الرأي والرأي الأخر دون الاعتداء على معتقده الديني لوجود فارقا بين حرية الرأي والتعبير، التي تتيح للجميع حرية انتقاد الأفكار، وبين ازدراء الأديان، والتقليل من معتقدات الآخرين