بقلم د المخرج محمد الجبور - إنّ الأخلاق ركيزة أساسية في بناء الفرد وإصلاح المجتمع، فسلامة المجتمع وقوّة بنيانه تعتمد على تمسك أفراده بالأخلاق الفاضلة، وأنّ الأخلاق درع واقي من العواصف التي تستهدف انهيار المجتمع (الوطن) وشيوع الفوضى، وأنّ المسلمين الأوائل فتحوا البلاد بأخلاقهم ومعاملاتهم. وإنّ الدفاع عن الوطن حقّ ينبع من القيم السامية وعلى رأسها العقيدة، وأنّ من حقّ الشعوب، بل واجب عليها أن تقاتل وتحمل السلاح لتسترد أرضها وديارها، وأنّ الدفاع عن الوطن حقّ من حقوقه، كما يجب حماية الوطن من كلّ الفتن والمشاحنات التي تؤدّي إلى تفكيك تماسكه الوحدة الوطنية هي من ضرورات الحياة، وضرورة التعايش السلمي في الوطن، وأنّ الوطن يسع الجميع، كيفما عاش النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة مع اليهود، وقد وضع (صلى الله عليه وآله وسلم) «وثيقة المدينة» التي اعترف فيها بالمواطنة وحقوق غير المسلمين، ما يبيّن أنّهم شركاء في الوطن، وليسوا شركاء في العقيدة، وأنّ الناس جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات. كما إنّ إصلاح الوطن مسؤولية جميع أبنائه، وإنّ إصلاح المجتمع لا يمكن أن يعتمد على فرد واحد أو جهة واحدة، بل هو مسؤولية جميع أفراد المجتمع إنّ حبّ الوطن والانتماء له يأتي من طرفين وليس من طرف واحد فلابدّ أن يكون من طرفين يتبادلان الحبّ فالنبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكّد على أنّ الإنسان لابدّ أن يقدّم حبّاً ليلقى الحبّ، عن أنس بن مالك قال: لما قدمنا من خيبر، حتى إذا أشرفنا على المدينة نظر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أُحُد فقال: «هذا جبل يحبُّنا، ونحبُّه». وهو إشارة إلى العلاقة الحسية والشعورية الثنائية بين الطرفين، فليس هناك شيء اسمه الوطن مادام الحبّ مفقود بين الوطن والإنسان، فكلّ بلاد العالم يمكن أن تكون وطناً حينما تمنحك الكرامة والحرّية والعيش الكريم. كما يقول الإمام عليّ (عليه السلام) عن الوطن: «ليس بلد بأحقّ بك من بلد، خير البلاد ما حملك»، فهذه نظرة حضارية للوطن تنبئ عن أنّ هناك تبادل الحبّ والاعتزاز بين جانبين هما الوطن والمواطن، فشاعرنا المتنبي يعرّف الوطن بالمكان الذي يمنحك الكرامة والعزّة ولعلّه استلهم كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ولن نغالي إذا قلنا أنّه لا الخطابات الأخلاقية الوحدوية ولا الأغاني والاناشيد الوطنية ولا المجال الجغرافي المشترك، ولا الأمجاد المشتركة الباذخة، ولا حتى المشتركات الثقافية والاجتماعية كافية مع أهميّتها وحيويتها لبناء وحدة وطنية متينة وصلبة، ما لم يتم إسناد تلك العناصر الهامّة بمشروع يتم إنجازه برضى الجميع وتوافق الجميع، والذي يؤسّس لشراكة حقيقية وفعلية، على أُسس المواطنة الكاملة، وصيانة حقوق الإنسان وكرامته، وتكافؤ الفرص الوظيفية والإدارية والسياسية. والمقدمات الضرورية على طريق بناء ذلك المشروع هي استيعاب حقائق التعدّديات والتنوّعات وكافة الموضوعات الجوهرية التي تتشارك فيها تعبيرات المجتمع المختلفة من مبادئ وقيم وأفكار وممارسات وأشياء، والانطلاق منها لصياغة مشروع يضع في اعتباره مفاهيم المواطنة المتساوية والوحدة الوطنية ودولة المواطنة فوق كلّ اعتبار. «لا شيء يأتي من لا شيء» كما في مقولة شكسبير، فالوحدة الوطنية والشعور بالانتماء للوطن تأتي دوماً كنتيجة وأثر لشروط والتزامات غاية في الأهميّة والضرورة (المواطنة الكاملة المتساوية في الحقوق والواجبات)، ولا شيء يصون الوحدة الوطنية ويحمي مكاسبها كتكريس مفهوم المواطنة الكاملة الانتماء للوطن يمثّل حاجتنا إلى الترابط والودّ والحبّ والأخلاق الكريمة؛ لنقف على أرض صلبة، تحقّق الأمجاد للوطن الذي نعيش فيه.. الانتماء للوطن هو الانتماء للأُسرة والأهل، وأنّه لا تعارض بين هذه الانتماءات، فكلّ منها يكمّل الآخر ويعضده، فإذا انتمى الفرد لأُسرته وأهله، فلابدّ أن ينتمي لوطنه. وينعكس الوجه الإيجابي لهذا الانتماء من خلال الترابط والتواصل، والتعاون والتزاور، والتحاب والودّ بين أبناء الوطن، وأنّ قوّة الوطن في ترابط المجتمع وتماسكه، وتمسكه بعقيدته، وأنّ ضعفه في تفككه وانتشار الخلافات والخصومات والأمراض الاجتماعية المختلفة، وأنّ الله تعالى أمرنا بالاعتصام والأُخوّة والتواصل. قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران/ 103). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثَلُ الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو، تَدَاعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمّى