زاد الاردن الاخباري -
بقلم : المهندس حسام نايف مشربش - إذا اتفقنا ان السوق المالي لأي دولة هو مرآة اقتصادها فأن سوق عمان المالي يعكس فعلاً الوضع الضعيف للاقتصاد الأردني منذ ما لا يقل عن خمسة عشر سنة.
سوق عمان المالي من أوائل الأسواق في المنطقة العربية حيث تأسس عام 1977 وباشر اعماله في بداية عام 1978 عندما لم يكن هناك أسواق مالية في معظم الدول العربية. على سبيل المثال تأسس سوقي دبي وأبو ظبي عام 2000 وسوق الدوحة عام 1997، ولكن ما حصل خلال هذه الفترة هو تراجع سوق عمان المالي بشكل كبير مقابل تقدم باقي الأسواق في المنطقة.
من اهم مؤشرات تراجع سوق عمان المالي هو عدم إدراج أي طرح اولي (شركات جديده) منذ حوالي خمسة عشر عاماً مقابل أحد عشر طرحاً أولياً في أسواق الامارات (دبي وأبو ظبي) في عام 2022 فقط وسبعة عشر طرحاً اولياً في سوق السعودية في عام 2022.
كذلك فقد انخفض عدد الشركات المدرجة في سوق عمان المالي ما بين عامي 2016 و2022 من 224 ال 172 شركة وبمعدل 56 شركة.
يقوم على إدارة سوق رأس المال الأردني (سوق الأسهم تحديداً) ثلاث مؤسسات رئيسية هي:
سوق عمان المالي (شركة مملوكة للحكومة)
هيئة الأوراق المالية
مركز إيداع الأوراق المالية
بالإضافة الى دائرة مراقبة الشركات في وزارة الصناعة والتجاره
إن تحويل شركة سوق عمان المالي من شركة مملوكة للحكومة الى شركة مساهمة عامه سيجعلها أكثر نشاطاً في تسويق فكرة الادراج في السوق المالي خصوصاً لكبرى الشركات الخاصة الأردنية كذلك دفع الحكومة لأدراج بعض مشاريعها الاستراتيجية والعمل على تنشيط التداول في السوق من خلال تعريف المواطنين المقيمين والمغتربين وكذلك المستثمرين الأجانب بالفرص المتاحة في السوق. كذلك فانه نظرا لصغر حجم السوق فإن دمج هيئة الأوراق المالية ومركز الإيداع قد يكون له آثار إيجابية في تقليل الكلفة وتحسين الكفاءة.
في الأسواق الناشئة مثل الأردن وبعكس الأسواق المتقدمة فإن دور الدولة في طرح المشاريع الكبرى من خلال تأسيس شركات مساهمة هو دور أساسي كما كان الحال في الخمسينات والستينات من القرن الماضي عندما تم تأسيس شركات الفوسفات ومصفاة البترول، والاسمنت، والبوتاس، وغيرها. هذا الدور للأسف انتفى كلياً في الأردن بعكس ما حصل ويحصل في دول الجوار. جميع المشاريع التي كان من الممكن طرحها كشركات مساهمة عامه اما تم تنفيذها من قبل الحكومة وتحملت الحكومة كلفها بالكامل وتم اضافتها للمديونية او تم تلزيمها لأطراف خارجية بالكامل او بشراكة اردنية محدودة ببضعة افراد متنفذين بدلاً من الاشتراط على هذه الشركات تأسيس شركات مساهمة عامة لإتاحة الفرصة للأردنيين استثمار أموالهم وضمان شفافية اعلى لأعمال هذه الشركات. حتى صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي الذي يملك حوالي 14% من كامل القيمه السوقيه لسوق عمان المالي و صناديق التقاعد الأخرى التابعه للنقابات أصبحت بحاجه الى أدوات استثماريه جديده .
من الأمثلة على الفرص الضائعة في المجالات المختلفة: -
قطاع الطاقة والثروة المعدنية: -
جميع مشاريع توليد الكهرباء والطاقة المتجددة حيث تم توقيع اتفاقيات مع عدة أطراف دون الالتفات الى إمكانية تأسيس شركات مساهمة عامه او إلزام الجهات المتعاقد معها بتأسيس شركات مساهمة عامة تمكن الأردنيين من الاستثمار فيها.
وكذلك احد اهم المشاريع وهو مشروع العطارات للصخر الزيتي والذي تم تلزيمه لائتلاف صيني ماليزي استوني ودون شراكة اردنية لاستثمار واحد من اهم الثروات الطبيعية الأردنية وكانت النتيجة ان اعترفت الحكومة لاحقاً بان هذا العقد يمثل "غبناً فاحشاً" بحق الأردن.
جميع هذه المشاريع والتي تدر ارباحاً كبيرة لأصحابها و تستخدم الثروات الطبيعيه الاردنيه و دون إعطاء المواطنين الأردنيين الحق في المشاركه فيها أدت الى رفع كلفة الطاقة الكهربائية في الأردن الى مستويات عالية جداً نظراً لسوء إدارة هذه العقود ولو تم تأسيس شركات مساهمة عامه اردنية لهذه الغايات لكانت درجة الشفافية اعلى وكان من الممكن التحكم في الأسعار خدمة لمصالح المستثمرين والمستهلكين معاً.
مؤخراً صرحت الحكومة عن نيتها استكشاف الثروات المعدنية في الأراضي الأردنية مثل الليثيوم والذهب والنحاس و الصخر الزيتي وغيرها ووقعت بعض العقود الأولية مع شركات لاستكشاف هذه المعادن، ولكنها لم تصرح عن أي نية لتأسيس شركات مساهمة عامة لهذه الغاية!! علماً بأنه من حق الأردنيين ان تبقى ثرواتهم الطبيعية ملكاً لهم و انا مع اصدار قانون ينظم استثمار الثروات الطبيعيه بحيث يشترط تأسيس شركات مساهمه عامه لاستثمار هذه الثروات بحيث لا تقل حصه الأردنيين شركات و مؤسسات و افراد عن 60% مثلا.
قطاع المياه: -
من المؤسف ان نجد الحكومة جاهده تطلب الدعم من الدول ومؤسسات الإقراض الدولية لمشروع الناقل الوطني بينما قد يكون من الاجدى تأسيس شركة مساهمة عامه لتنفيذ و إدارة هذا المشروع على المدى الطويل على غرار اتفاقية الامتياز التي تمت عام 1956 وتم على أساسها تأسيس شركة مصفاة البترول الأردنية. إن تأسيس شركة مساهمة عامه اردنية لهذه الغاية يضمن ربح محدد مقبول ويساعد على استثمار أموال الأردنيين مقيمين ومغتربين وغيرهم من المساهمين بطريقة امنة لان المشروع استراتيجي ولا يمكن التخلي عنه ولان نسبة الربح الدنيا محددة ويبقى المشروع تحت نظر وتدقيق الدولة بعكس ما حصل مع جميع مشاريع الطاقة المتجددة. و الأهم انه يجنب الدولة الحاجة الى إضافة مليارين الى ثلاث مليارات دولار للدين العام و من ثم إدارة المشروع بالطريقه المعهوده لمشاريع الدوله و تسجيل خسائر سنويه اضافيه.
قطاع الاتصالات:
من الجدير بالذكر ان الأردن هو البلد الوحيد في المنطقة الذي رخص شركات اتصالات خلوية غير مدرجة في سوقه المالي. جميع شركات الاتصالات في دول الخليج مدرجة في أسواق الدول التي تعمل بها. شركة زين الكويتية عندما تم اعطاؤها رخصه للعمل في المملكة العربية السعودية تم الاشتراط عليها ادراج اسهمها في السوق السعودي بالإضافة الى السوق الكويتي. وكذلك شركة أوريدو القطرية عندما تم إعطاؤها ترخيص للعمل في سلطنة عمان تم الاشتراط عليها ادراج اسهمها في سوق عمان بالإضافة للسوق القطري.
الحكومات الأردنية المتعاقبة اهملت سوق راس المال الأردني وسمحت لكل من شركة زين وشركة امنية بالعمل دون الاشتراط عليهما بالأدراج في سوق عمان المالي و بذلك اضاعت فرصه كبيره لامكانية استثمار المواطنين الأردنيين و الشركات و المؤسسات الاردنيه في احد اكبر و اهم القطاعات الاقتصاديه.
يعتبر السوق المالي من اهم أدوات الادخار والاستثمار للأفراد والشركات، وحسب سجلات مركز إيداع الأوراق المالية فإن عدد الأردنيين (افراد و مؤسسات) الذين يملكون اسهماً في سوق عمان المالي يبلغ حوالي 577 الفاً وهو ما يشكل حوالي 7% من الأردنيين. في حين ان عدد المواطنين القطريين على سبيل المثال الذين يملكون اسهماً في البورصة القطرية يبلغ حوالي 235 الفا مقارنة بالعدد الكلي للمواطنين القطريين والذي يبلغ حوالي 375 ألف مواطن أي بنسبة حوالي 63% وهذه النسبة تبلغ 58% من المواطنين الأمريكيين الذين يملكون اسهما في الولايات المتحدة حسب دراسة لمؤسسة جالوب أجريت عام 2022.
وبالمقابل فإن المواطنين الأردنيين والمغتربين تحديدا يعتبرون من اهم المتداولين في ألاسواق الماليه لدول الخليج وبمعدل تداول سنوي يقدر بمليارات الدراهم والريالات، وتصدَر الأردنيين قائمة أكثر الجنسيات العربية (غير الخليجية) تداولاً في سوقي دبي وأبو ظبي لعدة سنوات مما يدل على ان رأس المال الأردني موجود وثقافة الاستثمار بالأسواق المالية موجودة، ولكن لا يوجد الحافز المناسب للاستثمار في سوق عمان المالي تحديدا.
بمراجعة "رؤية التحديث الاقتصادي" وتصريحات المسؤولين الاردنيين لا يبدو ان هناك نية لتغيير سياسات الحكومة في هذا المجال والتي يمكن تلخيصها بتجاهل دور سوق عمان المالي وتجاهل اشراك راس المال الأردني المقيم وراس المال المغترب في المشاريع الوطنية وبالمقابل الحديث الدائم عن جذب الاستثمار الأجنبي دون تحقيق أي نتائج ايجابيه !!
من المفارقات أيضا هو ترخيص عدة شركات وساطة تعمل في مجال تداول العملات (فوركس) وأسواق الأسهم العالمية لتسويق هذا النوع من الاستثمار الخطر نسبياً للمواطنين الأردنيين وبشكل مكثف مقابل عدم الاهتمام ولا بل التجاهل الكامل لتسويق الاستثمار في سوق عمان المالي.
من المشاكل الأخرى التي يعاني منها سوق عمان المالي هو ضعف السيولة وضعف بعض التشريعات وسوء تطبيق بعض القوانين النافذة وعدم الشفافية في افصاحات الشركات وطول مدة التقاضي في قضايا فساد الشركات والتي لا زال بعضها في المحاكم منذ أكثر من خمسة عشر عاما مما أدى الى اضعاف مصداقية السوق وهجرة الكثير من المستثمرين وصعوبة جذب مستثمرين جدد