د. محمد حسين المومني - تصعيد خطير ذلك الذي تشهده الضفة الغربية من اعمال قتل ودمار. سلسلة من العنف بدأت عندما اقتحم بن غفير الحرم القدسي الشريف، ومع ان الحدث مر لحظتها دون عنف بسبب توقيته في السابعة صباحا وعدم وجود مصلين، الا انه خلق اجواء كراهية وبيئة يعتاش عليها العنف والقتل. ستهدأ موجة العنف الحالية لأن الفاعلين الرئيسيين من القيادات والتنظيمات الفلسطينية، وايضا الحكومة الاسرائيلية، ليسوا أصحاب مصلحة باستمرارها، لكن الدرس مرة اخرى هو ان العنف والكراهية لن يولدا الا عنفا وكراهية متبادلة، والضحية دائما ابرياء وامهات ثكالى. لا مفر ولا استقرار إلا باشتباك سياسي، وحوارات على كل المستويات المجتمعية، تركز على قيم العدل والتعايش والسلام، وهذه هي روحية السلام التي بدأت بمدريد، بددها كارهو السلام من اليمين المتشدد.
درس آخر متعلم مما جرى يضرب بالعمق مصداقية ايديولوجية الليكود الاسرائيلي، التي تؤمن ان التسوية والسلام لا يمكن ان يتحققا الا مع الجيل الآخر من الفلسطينيين، بعد انقضاء من عايشوا النكبة والنكسة وتحملوا جروحها وآلامها. يتبين في كل ازمة ان هذا كلام غير صحيح، فالأجيال الفلسطينية الجديدة لا تقل إقداما وضراوة عن الاجيال التي عايشت المصائب، بل هي اشد واكثر تمسكا وإقداما على ايجاد وسائل مقاومة للاحتلال، بعضها متقدم نوعي يخاطب العالم بلغة العصر والسوشال ميديا، وبعضها يستخدم السلاح التقليدي لا يخشى الموت. لا يمكن مقاومة هؤلاء باستخدام القوة فهم لا يخشون الموت بل ينشدونه، لذلك فلا مفر من وقف دوامة العنف والاشتباك على اسس السلام والعدالة والتعايش على اسس الكرامة الوطنية.
ثمة رأي يقول ان اقتحام جنين بعملية امنية كان يهدف من ضمن ما يهدف إلى تشتيت انتباه الرأي العام الاسرائيلي عن معركة المعارضة مع الحكومة في اسرائيل، ومن يفهم سلوك وشخص نتنياهو لا يمكن له ان يستبعد هذا الاحتمال، وقد نجح بالفعل بتشتيت الرأي العام والانظار عما يجري من معركة استقلال القضاء في اسرائيل. ربما تكون نظرية مؤامرة، لا احد يستطيع الجزم، ولكن عملية جنين وما تبعها بلا شك شكل طوق نجاة للحكومة الاسرائيلية على الاقل مرحليا، وقد هدأت اصوات المعارضة وانشغلت بأحداث العنف.
هناك ايضا ما يجب ان يقال حول الموقف الأردني الرسمي مما جرى، وأجد ان هذا الموقف يجب ان يفهم ببعده الدولي والقيمي، والديني ايضا، ولا أرى انه خروج عن موقف الدولة مما يجري مع اهلنا في فلسطين، والموقف لا يساوي اطلاقا بين الضحية والمحتل كما يدعي البعض، ومن يقرأ قواعد الاشتباك العسكرية الاسلامية منذ فجر التاريخ، وقت الرسول علية الصلاة والسلام والخليفة الراشد ابو بكر، ليدرك ان الموقف الأردني منسجم تماما مع قيم الدين الحنيف وقواعد الاشتباك العسكري الاسلامية، التي كان المسلمون يحترمونها ويطبقونها منذ البدايات الاولى، بل ان الحضارات الغربية وقيم الجيوش العريقة الحديثة اخذت عن المسلمين قواعد الاشتباك العسكرية الانسانية.