زاد الاردن الاخباري -
الروابدة : هكذا تشكل الحكومات في غياب التنظيمات السياسية
الروابدة : لم يكن للمخابرات دور في تشكيل حكومتي
الروابدة : هذا ما تسبب بانهيار الإدارة الأردنية
لهذا السبب خاض الروابدة الانتخابات النيابية بعد أن كان وزيرا
تصريحان بماركة إعلامية مسجلة لا يمكن إسقاطهما من جردة الحساب الذاتية عندما تقرر النخبة الأردنية التحدث علناً. التصريح الأول بتوقيع رئيس الوزراء الأسبق والمخضرم والمتمرّس عبد الرؤوف الروابدة. والثاني يخرج به عن صمته الممتد 17 عاماً تقريباً رئيس الوزراء الأردني الأسبق أيضاً والأكاديمي البارز جداً الدكتور عدنان بدران. وصدر التصريحان عن الرجلين، الخميس.
الروابدة قرر في الرواية المنقولة أمس عن إذاعة “حسنى” المحلية وعبرها توجيه صاروخه النقدي السياسي الأبرز بأثر رجعي هذه المرة ضد تركيبة “اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية”، قائلاً بأن بعض أعضاء اللجنة بلا تجربة سياسية أو حزبية، وبعضهم بلا أي تجربة في أي مجال آخر، منتقداً ضمناً الاعتماد على هذه المعايير في تشكيل لجنة معينة، المطلوب منها تخطيط ووضع مستقبل الوطن.
ذلك انتقاد مباشر وبأثر رجعي وإلى حد ما قاس وغليظ سياسياً، ليس لمسار تحديث المنظومة السياسية والحزبية فقط، ولكن لطريقة تشكيل اللجنة التي صاغت الاتجاه. وهي محطة يقرر الروابدة ألا يقف عندها فقط منتقداً ما يحصل اليوم في ترتيبات الخارطة الحزبية لأن الأحزاب لن تنجح عبر “اللملمة”، كما قال، وهو ليس مرتاحا للإصلاحات السياسية الحالية لأنها -برأيه- لم تبرز نتيجة دراسات واقعية.
ذلك كان مضمون التصريح المنقول عن شخصية مخضرمة مثل الروابدة.
الأهم هو ليس ما تحدث به الروابدة، لكن توقيت قراره توجيه هذا الانتقاد اللاذع فيما كان نظيره الدكتور عدنان بدران يفخخ لغماً سياسياً عبر برنامج تلفزيوني يعده المذيع والإعلامي الدكتور هاني البدري، ويتحدث فيه بدران ببساطته المعهودة بعبارة “ما بيصير الأردن يظل هيك”، ثم يقترح: “نريد عدالة وحرية واعتماداً اقتصادياً على الذات ودولة إنتاج”.
عملياً، لم تعرف بعد الظروف التي أدت إلى انضمام عضوين بارزين في نادي رؤساء وزارات الماضي إلى حلقة المنتقدين وبنعومة، أحدهما بخبرة عميقة لم يغب عن الساحة بكل حال وهو الروابدة، والآخر بقي صامتاً سنوات طويلة مع أن تجربته في الحكم والإدارة استمرت أشهراً فقط.
يثبت ذلك النظرية التي طرحها يوماً أمام “القدس العربي” المخضرم الأنشط في نادي الرؤساء سياسياً طاهر المصري، بعنوان “عدد كاظمي الغيظ يزيدون” وهي عبارة أبلغها المصري مباشرة للدكتور عمر الرزاز عندما كان رئيساً للوزراء، فيما النشاط واضح للغاية اليوم في الأثناء على الجبهة الاجتماعية للرزاز نفسه، حيث يتقدم بآراء ويدلي بمداخلات ويطرح بعض الأفكار، وحيث تنشغل الصالونات السياسية بهمساتها التي تسأل عن النشاط المفاجئ للرزاز مقابل غياب مفاجئ أيضاً لرؤساء وزارات سابقين غيره، في الوقت الذي اشتعلت فيه تفاعلات تحت عنوان التمكين الاقتصادي مرة وتحديث المنظومة السياسية مرات. سبق للمصري أيضاً أن حذر من أن أحداً لا يتحدث أو يتشاور اليوم مع أصحاب الخبرة.
وهي مسألة أشار إليها الروابدة أيضاً قبل أن يكرر في سياق عمليات ومسارات التحديث القائمة الأول تحذيره العلني وعبر “القدس العربي” أيضاً في تقرير سابق منشور، من أن هندسة الإصلاح ليست ولا يمكنها أن تكون بديلاً عن الإصلاح الجذري الحقيقي. يخفف أعضاء نادي الرؤساء بالعادة من التصريح والظهور والاشتباك خوفاً من “إساءة التفسير”، ولأن الوقائع لا تصل باعتبارها نصائح من طبقة رجال الدولة، بل يتم تشويهها في النقل أحياناً خلافاً لأن طبقة المسؤولين الموجودة حالياً تتميز بضيق الصدر ولا تجيد قراءة مداخلات الرؤساء السابقين في القضايا العامة المطروحة.
لكن الجميع يلاحظ بأن تجارب الأحزاب التحديثية الجديدة بدون استثناء لا تضم حتى الآن، وفقاً للمعلن في لوائحها ونشاطاتها، أي رئيس سابق للوزراء في المشهد، الأمر الذي يستوجب القراءة والتأمل ويدل ضمناً على أن طبقة الرؤساء على الأقل ليست مهتمة أو ليست مرتاحة، كما صرح الروابدة. وهي ملاحظات عمومية يتم تناقلها هنا وهناك وبكثافة بين الحين والآخر وبصيغة تثبت مجدداً أن الحلفاء الحقيقيين من كبار رموز الصالونات والنوادي السياسية لمساري التحديث الحزبي والتمكين الاقتصادي لا يزالون في موقع الأقلية وبصورة لا تمثل زخماً عددياً يكفي لإقناع الشارع.
بكل حال، ضعف حلقات التشاور مع رؤساء حكومات الماضي يضرب من جديد ويكشف عن أهمية ما يتم تجاهله، حيث تصريحات إضافية لرئيسين مثل الروابدة وبدران، تظهر ملاحظات تعبر عن القلق ولا يمكن تجاهلها أو إسقاطها من الحسابات، وحيث جرعات من النقد تزيد في ردود فعل سياسيين كبار على ما يجري، لا أحد يحاورهم أو يشاورهم أو حتى يعمل على استقطابهم.
مثل هذا التململ في النادي العميق والخبير سياسياً وأكاديمياً واقتصادياً قد يكون له مبرره، وقد لا يكون، لكنه يصبح مع مضي الوقت عنواناً لتحفظات وملاحظات على المسار العام من الطراز الذي من الصعب تجاهله أو حتى اتهامه، فغالبية المنتقدين هنا مستقبلهم الوظيفي وراءهم، وتجاوزوا مرحلة الزحام من أجل موقع، وإن كانوا باحثين عن دور. لكن مثل تلك التعليقات المفاجئة تعكس تململاً لا يستهان به عند الطبقة السياسية في النخبة الأردنية.القدس العربي