سلامة الدرعاوي - لم تنفع أي إجراءات حكومية لتقليل عجز الموازنة على مدار السنوات الماضية، بالعكس كانت جميع الجهود تفشل في التصدي الحقيقي والفاعل لعجز الخزينة الذي يتنامى من عام إلى عام بالأرقام المطلقة، مما يعني زيادة بالدين العام.
إذا ما جمعنا عجز الحكومة المركزية وعجز المؤسسات المستقلة، فإن مجموعه الإجمالي يتجاوز الـ2.34 مليار دينار المقدر لسنة 2023، وهذا طبعاً سيضاف إلى المديونية التي تصل نسبتها الإجمالية إلى 106.8 % من الناتج المحلي الإجمالي العام، وبقيمة مطلقة تصل إلى 39.426 مليار دينار، وبنمو نسبته 6.2 % عما كان عليه في العام الماضي.
والسؤال الذي يطرح بشكل دائم، متى ستتمكن الحكومات من تخفيض هذا العجز المالي؛ وبالتالي وقف نمو المديونية التي تنمو اليوم باتجاه تصاعدي خطير في حال لم تتحقق معدلات النمو المطلوبة، في حال عدم التصدي لتزايد الدين كأرقام مطلقة؟
نقولها بصراحة إن في حال الاستمرار بذات الإدارة الاقتصادية التقليدية وعدم التصدي بشكل جريء لهذه المشكلة المزمنة، فإن الخطر سيزداد على المالية العامة للدولة في المستقبل، خاصة في ظل تنامي أعداد المتعطلين عن العمل، ناهيك عن معدلات متباطئة للنمو الاقتصادي.
خطوات الحل تبدأ بفتح ملفات اقتصادية مالية في الموازنة تشكل بحد ذاتها تحدياً لصانع القرار من الناحية الشعبوية، ونتيجة غياب الاتصال المنطقي والعقلاني بين الحكومات والمواطنين، فإن التطرق لهذه الملفات سيزداد تعقيداً مع مرور الوقت، ولن تتمكن أي جهة من معالجة هذه الملفات التي حينها ستعتبر حقوقاً مكتسبة لا يمكن التنازل عنها.
ملف الدعم بكافة أشكاله سواء أكان للخبز أو الأعلاف أو المحروقات أو للكهرباء أو المعالجات الطبية وغيرها من أشكال الدعم المالي المباشر التي تقدمها الخزينة للسلع هي شكل من أشكال الهدر المالي الفاضح في الدولة، ويدلل على سوء إدارة المال العام، رغم محدودية موارد الدولة بكافة أشكالها واعتمادها المتزايد على المساعدات الخارجية في تمويل نفقاتها المتزايدة.
لا يعقل أن تقوم خزينة الدولة التي تعاني من عجز مالي يناهز لـ2.3 مليار دينار بتقديم دعم يفوق الـ1.5 مليار دينار لعدد من الخدمات والسلع التي يستفيد منها الغني والفقير، والمقيم والوافد والمواطن والأجنبي دون تميز منطقي بين هذه الشرائح الاستهلاكية المتنوعة في الدخل، كما هو معمول في معظم دول العالم، حتى الدول الغنية تفرق بين مواطنيها والمقيمين على أرضها من الجنسيات المختلفة بالنسبة للدعم المقدم من الخزينة، فالدولة مطالبة بدعم مواطنيها وتعزيز أمنهم المعيشي.
الملفات السابقة لها ارتباطات كبيرة بتفاقم عجز الموازنة العامة الذي يمول عادة من الاقتراض الداخلي والخارجي على حد سواء، ولا يمكن النظر إلى معالجة المديونية دون النظر إلى هذه الملفات، فالترابط بينهما وثيق، لكن من يملك الجرأة السياسية لفتح هذه الملفات التي تشمل حالة شعبوية جارفة ليس عند الشارع العام، وإنما عند النواب والحكومة أيضاً.
توجيه الدعم لمستحقيه هو الضمان للإصلاح الحقيقي للمالية العامة، وهو أولى خطوات مواجهة عجز الموازنة وتخفيضه، بالتالي الحد من النمو المتواصل للمديونية وإيقافها بالشكل الاقتصادي السليم، وتقديم دعم مالي مباشر لكافة المواطنين الأردنيين المستحقين وفقاً لقاعدة بيانات علمية دقيقة عنهم، تقدم قيمة الفرق في الدعم، ويزيد لكل من هو مواطن.