لاشك أن المسؤول الذي يتبوأ أي وزارة لديه مسؤوليات من خطط وأهداف جمة يحاول إنجازها في وقت محدد, في ظل تحديات كثيرة من متغيرات داخلية وخارجية يشهدها العالم في الوقت الحالي والتي أثرت على المواطن, وعلى الخطط الموضوعة منها خطط التحديث السياسي والإقتصادي والإداري , لا نريد في هذه المقالة التنظير بإنشاء المشاريع الضخمة الإستثمارية والإعتماد على الصناعة والزراعة والتكنولوجيا فهي حلول ينشدها الجميع , بل نريد أن نقدم قيمة مضافة للنهج الذي تسلكه الحكومة ليصب في خدمة المواطن, من خلال تقديم بعض الحلول الملموسة في وقت قياسي, للتسريع في تنفيذ رؤيا التحديث الإقتصادي بفاعلية حسب الخطط الموضوعة, وحلول أخرى للمشاكل التي يواجهها المواطن في حياته اليومية والتي يوليها جلالة الملك وولي العهد جُل الأولويات والمسؤوليات.
سنقترح ثلاث محاور في هذه المقالة لتقدم نتائجاً وجزءاً من حلول ملموسة يشعر بها المواطن .
المحور الأول, وهو بإختصار شديد من سيتابع ويقيّم إجراءات تطبيق رؤيا التحديث الإقتصادي ؟
لا بُد أن يكون هناك لجنة أو دائرة مستقلة يتم تشكيلها لا تتبع إلى الحكومة تحت مُسمى " لجنة الإستراتيجيات الوطنية " National Strategies Committee للإشراف والمتابعة الحقيقية لتنفيذ الخطط وتكون عابرة للحكومات وتقف على الإجراءات وحل المشاكل الصغيرة قبل الكبيرة , لتُنسق بالكامل مع كل وزارة إجراءات تطبيق الخطط الموضوعة ,ويكون لها نظرة إستراتيجية , بحيث تستطيع تعديل أو تغيير أي جزء من تطبيق الخطط وتقدم تقاريرها لجلالة الملك.
فما نراه حالياً هو تشكيل لجان داخلية من نفس الوزارات لتنفيذ الخطة الإقتصادية, وهذا من شأنه أن يقيّد بعض الشيء الإجراءات المتخذة لكي لا تُظهر إجراءات خاطئة سابقة للوزارة أو تباطىء في العمل, وكذلك تبعية هذه اللجان لإجراءات الوزارة الفنية والإدارية القديمة سيجهض أي إجراء جديد لا يدور في فلك الوزارة, ما نريده هنا تطبيقاً فعّالاً وحقيقياً على أرض الواقع لمخرجات هذه اللجان من خطط موضوعة ومتابعة ومحاسبة المقصرين بذلك.
المحور الثاني , يجب أن يكون هناك تغذية راجعة صحيحة يتم الحصول عليها من خلال ما نسميه بالقنوات المباشرة لإتخاذ القرار" Direct Channels for Decision Making" من جميع المحافظات حتى لا تصل المشاكل والملاحظات والمقترحات مُجمّلة ومنقوصة إلى صانع القرار, أو لا تُنقل للمسؤول بالطريقة الفنية الصحيحة وبالتالي لا يتم إتخاذ القرار المُناسب في الوقت الُمناسب أو التعديل عليه لتجنب أضراره أو تبعاته مستقبلاً , هذا إذا وصلت هذه المشاكل والملاحظات والمقترحات أصلاً إلى المسؤول, وكذلك لمتابعة التحديثات للخطط أولاً بأول وتأثيرها الإيجابي على المحافظات , وهذا لا يتحقق بصراحة إلا من خلال إجراءين رئيسيين :
أولاً: أن يقوم كل وزير إختصاص بالدوام في كل محافظة مرة في الشهر على الأقل ويُخصَص مكتباً مشتركاً للوزراء في مبنى المحافظة, وأن يقضي يومه كاملاً بالتجول في المديريات التابعة له في المحافظة, لمتابعة الخدمات والإجراءات التي تُقدم للمواطنين, ويُخصَص في هذا اليوم إجتماعين الأول مع الموظفين التابعين لوزارته, والآخر مع القطاع الخاص في تلك المحافظة, لتداول المشاكل والصعاب والإحتياجات لكل طرف, وكل ذلك سيمكنه من حل جميع المشاكل وتلبية الإحتياجات الصحيحة والفعلية التي تخُص وزارته وما تقدمه من خدمات للمواطنين والمستثمرين, ويتابع بنفسه تقدُم وسير حل المشاكل للإجراءات التي إتخذها كل شهر على أرض الواقع .
ثانياً: عند تعيين المحافظين ومساعديهم, يجب أن يكون أحدهم على الأقل لديه خبرة في الإقتصاد والإستثمار والأمور الفنية التقنية.
وأما المحور الثالث, هذا المحور سأطلق عليه إسم الحل المختصر " Short cut Solution", وهو ببساطة التركيز على مُحرك إقتصادي يستطيع عمل نقلة نوعية ونتائج ملموسة في الإقتصاد , فلا بأس أن يسير هذا المحرك بسرعة هائلة ليستطيع تقديم الدعم المادي لباقي المحركات ,لإنجاحها في الخطط الموضوعة حتى عام 2030 , لأننا من خلال قراءتنا للموازنات السابقة 90% منها هي عبارة عن نفقات تشغيلية وخدمية ودفع رواتب وخدمة دين , وسأقوم بتشبيه ذلك بالشركات الناجحة, عندما تضع خططها تقوم بوضع خطة قصيرة المدى وأخرى طويلة المدى , فالخطة القصيرة تستهدف الحصول على أرباح نقدية سريعة من خلال تسويق وبيع مُنتجات بدون جهد وعناء وبدون إجراءات فنية وإدارية كتركيب وتنفيذ لمشاريع والتدريب عليها وبالتالي لا تستغرق وقتاً للحصول على الأرباح, أما بالنسبة للخطط الطويلة فهي تشمل المشاريع الكبيرة والتي يكون عوائد أرباحها أكبر لكنها تحتاج إلى الوقت , فمن يُغطي نفقات الشركة ورواتب موظفيها والقروض على الشركة خلال هذه الفترة؟ الجواب على ذلك هي الخطة السريعة قصيرة المدى التي وُصفت سابقاً.
من هنا يكمن الحل في هذا المحور بالنسبة للحكومة هو التركيز السريع على محرك السياحة وعمل نقلة نوعية فيها بالتعاون مع القطاع الخاص ,وذلك بزيادة الإنفاق الحكومي لدعم مشاريع وتطوير بُنى تحتية لمواقع سياحية في الأردن وأخرى إستثمارية , والقيام بتسويق السياحة التراثية والدينية والعلاجية والثقافية محلياً وإقليمياً ودولياً , لأن كل مجموعة سياحية تأتي للإردن توازي عمل مشروع صغير, لأن هذه المجموعة ستسوق لمجموعات أخرى وهكذا, حينها نحقق زيادة في أعداد السياح خلال السنتين القادمتين ما كنا نستهدفه خلال العشر سنوات القادمة, والدخل المُتأتي من السياحة سيُصرف لدعم المحركات الأخرى حتى عام 2030 .
وحيث أن نسبة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي الآن لم تتجاوز 15% وبعدد لم يزيد عن 6 مليون سائح سنوياً, لماذا لا نستهدف عام 2025 أن يكون عدد السياح 10 مليون سائح, وبحلول عام 2030 نصل إلى 15 مليون سائح وبمساهمة بالناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 30% ؟
في النهاية المواطن ينتظر منا الكثير , فيجب أن يشعر أن هناك حلولاً ونتائجاً سريعة جميعها تصب في صالح الإقتصاد, وتقديم كل ما يلزم من خدمات مميّزة للمواطن لتسهل عيشته .
الخبير في المجال السياسي والإقتصادي والتكنولوجي
رئيس مجلس إدارة شركة جوبكينز
المهندس مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com