الكاتبة : هِبَةُ أَحْمَدْ اَلْحُجَّاجِ - " أَنْتَ لَا تُغْلِقُ بَابَكَ إِذْن بِالْمِفْتَاحِ ؟ فَأَجَابَهُ رَاسْكُولِينْكُوفْ بِقَوْلِهِ : أَبَدًا ، ثُمَّ أَضَافَ يَقُولُ بِإِهْمَالٍ : عَلَى أَنَّنِي أَنْوِي مُنْذُ سَنَتَيْنِ أَنْ أَشْتَرِيَ قِفْلاً ثُمَّ قَالَ يُخَاطِبُ صُونْيَا وَهُوَ يَضْحَكُ : مَا أَسْعَدَ اَلَّذِينَ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوصِدُوا عَلَيْهِ اَلْأَبْوَابُ بِالْأَقْفَالِ أَلَيْسَ كَذَلِكَ ؟ " هُوَ كَذَلِكَ ، صَاحِبُ اَلْمَالِ تَعُبَّانِ .
وَبَيْنَمَا أَنَا أُشَاهِدُ هَذِهِ اَلْمَسْرَحِيَّةِ اِسْتَوْقَفَتْنِي جُمْلَةُ " صَاحِبُ اَلْمَالِ تَعُبَّانِ " وَقَلَّتْ فِي نَفْسِي : مَا مَدَى صِحَّةِ هَذِهِ اَلْمَقُولَةِ ! !
خَرَجَتْ مِنْ اَلْمَسْرَحِيَّةِ وَالتَّسَاؤُلَاتِ تُرَاوِدُنِي ، كُنْتَ أُرِيدُ أَشْخَاصًا كُثُر يُجِيبُونَنِي عَلَى كُلِّ هَذِهِ اَلتَّسَاؤُلَاتِ ، حَتَّى أَنَّنِي نَظَرَتْ إِلَى شَوَارِعَ وَبُيُوتِ اَلْمَدِينَةِ ، كُنْتَ أُرِيدُ أَنْ أَقُومَ ب " اِسْتِطْلَاعِ رَأْيٍ " وَاطْرُقْ كُلَّ بَابِ مِنْ أَبْوَابِ اَلْمَدِينَةِ ، وَأَطْرَحُ عَلَيْهِمْ اَلسُّؤَالُ " صَاحِبَ اَلْمَالِ تَعُبَّانِ " ! ! لَكِنَّنِي عِنْدَمَا فَتَحَتُ بَابَ مَنْزِلِي خَطَرَتْ لِي فِكْرَةٌ أَيْسَرُ وَأَسْهَلُ وَأَسْرَعُ . لِمَاذَا لَا أَطْرَحُ هَذَا اَلسُّؤَالِ عَلَى صَفْحَتَيْ عَلَى مَوَاقِعِ التَوَاصُلِ اَلِاجْتِمَاعِيِّ ؟ لَأنْ اَلْعَالَم قَرْيَةً صَغِيرَةً وَ اَلْمَنْشُورَ كَسُرْعَةِ اَلضَّوْءِ يَصِلُ مِنْ أَوَّلَهُ لِأَقْصَاهُ ، وَبِذَلِكَ أَكُون قَدْ أَخَذَتْ جَمِيعَ اَلْآرَاءِ مِنْ شَتَّى اَلْمَنَابِتِ وَالْأُصُولِ وَالثَّقَافَاتِ ، وَيَكُون اَلِاسْتِطْلَاعُ اَلْأَقْرَبُ لِلْمِصْدَاقِيَّةِ ، وَهَذِا مَا أُرِيدَ .
وَبِالْفِعْلِ دَخَلَتْ عَلَى صَفَحَاتِ مَوَاقِعِ التَوَاصُلِ اَلِاجْتِمَاعِيِّ ، وَوَضَعَتْ مَنْشُورًا " هَلْ صَاحِبُ اَلْمَالِ تَعُبَّانٌ ؟ "
اِخْتَفَيْتُ بُرْهَةً مِنْ الزَمَنٍ . وَإِذَ أَجِدُ مَجْمُوعَةٌ مِنْ اَلتَّعْلِيقَاتِ أَلَّا وَهِيَ :
اَلتَّعْلِيقُ اَلْأَوَّلُ : اَلْمَالُ لَا يَجْلِبُ اَلسَّعَادَةَ وَلَكِنَّهُ يَجْلِبُ اَلِاطْمِئْنَانُ ، قَدْ تُشَكِّكُ بِأَنَّ ثَمَّةَ عَلَاقَةٌ بَيْنَ اَلْمَالِ وَالسَّعَادَةِ وَلَكِنْ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُشَكِّكَ بِأَنَّ اَلْمَالَ قَدْ يَجْلِبُ وَجْهًا ضَرُورِيًّا مِنْ أَوْجُهِ اَلسَّعَادَةِ وَهُوَ اَلِاطْمِئْنَانُ وَالسَّلَامُ فَمَعَ اَلْمَال لَنْ تَبْتَئِسَ وَقْتَ اَلْحَوَادِثِ بَلْ سَتُطَمْئِنُ ، فَلَدَيْكَ مَا يُغَطِّي اَلْخَسَائِرَ !
وَقَامَ شَخْصٌ آخَرُ بِالرَّدِّ عَلَى ذَلِكَ اَلتَّعْلِيقِ ، قَائِلاً : وَلَكِنْ مَاذَا لَوْ تَعَرَّضَتَ لِحَادِثٍ مِنْ حَوَادِثِ اَلزَّمَانِ ، وَلنَقْل حَادِثٍ مُرُورِيٍّ ، وَلَيْسَ لَدَيْكَ مَالٌ ! هُنَا سَتَعْرِفُ قِيمَةَ مَا تَسْتَهِينُ بِهِ ! يَظَلّ اَلْمَأْزِقُ فِي كَوَّنَ اَلْمَالُ لَا يَشْتَرِي اَلِاطْمِئْنَانُ فِي كُلِّ اَلْأَحْوَالِ فَالصِّحَّة مَثَلاً لَا تُشْتَرَى ، فَحِينَ تَمْرَضُ مَرَضًا عُضَالاً فَلَنْ تَطَمْئِنَ وَلَنْ تَسْعَدَ ( سَتَخْسَرُ اَلْأَمْرَيْنِ ) ، فَثَمَّةَ أَمْرَاض لَا يُمْكِنُ لِلْمَالِ عِلَاجَهَا !
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِالتَعْلِيقِ اَلثَّانِي كَانَ : فِي هَذَا اَلزَّمَنِ عِنْدَمَا يَتَكَلَّمُ اَلْمَالُ تَصْمُتُ اَلْحَقِيقَةُ وَجَاءَ اَلرَّدُّ عَلَى هَذَا اَلتَّعْلِيقِ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ : اَلْمَالُ لَا يُغَيِّرُ اَلنَّاسُ ، بَلْ يُظْهِرُ حَقِيقَتَهُمْ.
أَمَّا اَلتَّعْلِيقُ اَلثَّالِثُ ، كَانَ غَرِيبٌ بَعْضُ الشَيْءِ ألَّا وَهُوَ : اَلْمَالُ عَدِيلَ اَلرُّوحِ .
وَجَاءَ اَلرَّدُّ أَغْرَبَ مِنْ هَذَا اَلتَّعْلِيقِ ، حَيْثُ كَانَ : يَا عَامِرًا لِخَرَابِ اَلدَّهْرِ مُجْتَهِدًا تَاللَّهِ هَلْ لِخَرَابِ اَلدَّهْرِ عِمْرَانْ وَيَا حَرِيصًا عَلَى اَلْأَمْوَالِ تَجْمَعُهَا أُنْسِيَتْ أَنَّ سُرُورَ اَلْمَالِ أَحْزَانِ رَاعِي اَلْفُؤَادِ عَنْ اَلدُّنْيَا وَزُخْرُفِهَا فَصَفّوهَا كَدِرٌ وَالْوَصْلُ هِجْرَانُ "أَبُو اَلْفَتْحْ أَلْبُسْتِي" و . . . إِلَخْ مِنْ التَعْلِيقَاتِ اَلْمُنَاقِضَةِ بَعْضَهَا لبَعْض ، وَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ تَذَكَّرَتْ مَقُولَةَ جَدَّتِي عِنْدَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ مَا بِوُسْعِهَا لشَيْءٌ مُعَيَّنٌ وَتَعُودُ صِفْرَ اَلْيَدَيْنِ كَانَتْ تَقُولُ " كَأَنَّكَ يَا أبُو زَيْدِ مَا غِزيتْ " وَأَنَا حَالِيًّا نَفْسَهَا تَمَامًا . أَصْبَحْتَ أُفَكِّرُ أَكْثَرُ وَأَكْثَرُ فَقَرَّرَتْ ، أَنْ أَقُومَ بِمُقَابَلَةٍ صَحَفِيَّةٍ لرَجُلَ مِنْ رِجَالِ اَلْأَعْمَالِ اَلْأَثْرِيَاءِ ، وَاسْتَفْسَرَ عَنْ صِحَّةِ مَقُولَةِ " صَاحِبِ اَلْمَالِ تَعُبَّانِ " وَأْخُذ مَقُولَةٌ " أَعْطَي اَلْخُبْزَ لخَبَّازَه حَتَّى لَوْ أَكْل نَصْفُو " بِالْفِعْلِ نَسَّقْتُ مَعَ مَكْتَبِ سِينْ مِنْ رِجَالِ اَلْأَعْمَالِ ، مُقَابَلَةٌ صَحَفِيَّةٌ فِي اَلْيَوْمِ اَلْفُلَانِيِّ وَالسَاعَةُ اَلْفُلَانِيِّة ، وَلَا أُخْفِيكُمْ كُنْتَ أَنْتَظِرُ هَذِهِ اَلْمُقَابَلَةِ بِفَارِغِ اَلصَّبْرِ ، حَيْثُ أنَّنِي شَخْصِيَّةٌ فُضُولِيَّةٌ وَمُتَشَوِّقٌ دَائِمًا مِنْ اَلصِّغَرِ ، لِمَعْرِفَةِ اَلْأَشْيَاءَ وَإِثْبَاتِهَا وَنَفْيِهِا . وَهَذِهِ اَلْمَقُولَةُ ، كَثُرَ فِيهَا اَلْجِدَالُ وَالْمُنَاقِضَاتِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ شَخْصٌ يَضَعُ حَدًّا لِهَذَا اَلْمَوْضُوعِ ، وَأَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ هَذَا اَلرَّجُلِ .
وَدَقَّتْ سَاعَةُ اَلصِّفْرِ ، وَحَانَ مَوْعِدُ اَلْفَصْلِ ، وَأَتَى مَوْعِدُ اَلْمُقَابَلَةِ . ذَهَبَتْ إِلَى المُقَابَلَةٍ ، وَوَصَلَتْ قَبْلَ اَلْمَوْعِدِ بنِصْفَ سَاعَةٍ ، وَبَيْنَمَا كُنْتُ جَالِسًا أَنْتَظِرُ اَلْمَوْعِدُ ، لَفَتَ نَظَرِي عُنْوَانًا عَلَى اَلْمَجَلَّةِ " كَيْفَ تُصْبِحُ رَجُلَ أَعْمَالٍ ؟ !"
كُنْتَ أُرِيدُ أَنْ أَعْرِفَ ، كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ، وَإِذْ أسْمَعْ صَوْتًا يَقُولُ لِي : اَلْمُدِيرُ فِي اِنْتِظَارِكَ . سَارَعَتُ عَلَى اَلْفَوْرِ باَلدُّخُولِ ، وَإِذْ أَرَى شَخْصًا وَاثِقًا مِنْ نَفْسِهِ ، يَمْشِي بِخُطُوَاتٍ وَاثِقَةٍ مَرْفُوعٍ الهَامَةِ . صَافَحَتْهُ وَعَرَفَتْهُ بِنَفْسِي قَائِلاً : أَنَا الصَحَفِيٌّ فُلَان اَلْفُلَانِيِّ ، كَانَتْ طَرِيقَتُهُ بِالتَّرْحِيبِ مُهَذَّبَةً جِدًّا ، كَانَ يُلْقِي اَلتَّحِيَّةَ وَيَرُدُّ تَحَايا اَلْآخَرِينَ بِالتَّرْحِيبِ ، أَكْمَلَتْ حَدِيثِي قَائِلاً : أَتَيْتُ لَكَ لِتَضَعَ النِقَاط عَلَى حُرُوفِ اَلْمَقُولَةِ اَلْمَشْهُورَةِ " هَلْ صَاحِبُ اَلْمَالِ تَعُبَّانِ " ! كَانَ يَتَحَدَّثُ بِصَوْتٍ وَاثِقٍ وَبِنَبْرَةٍ مَسْمُوعَةٍ لِلْجَمِيعِ ، يُعَبِّرَ عَنْ رَأْيِهِ بِحُرِّيَّةٍ تَامَّةٍ وَجُرْأَةٍ ، يَنْظُرَ إِلَى اَلْآخَرِينَ فِي وُجُوهِهِمْ وَأَعْيُنِهِمْ عِنْدَ اَلْحِوَارِ ، يَتَّخِذَ مِنْ حَرَكَاتِ يَدَيْهِ وَسِيلَةً لِتَقْرِيبِ اَلْمَفَاهِيمِ دُونَ مُبَالَغَةٍ ، يَسْتَعْمِلُ تَعَابِيرَ وَجْهِهِ لِيَتَفَاعَلَ مَعَ حَدِيثِهِ . شَعَرَتْ أَنَّهُ لَا يَهْتَمُّ وَلَا يُفَكِّرُ مُطْلَقًا بِرَأْيِ اَلْآخَرِينَ فِيهِ ، يَتَّصِف بِالْهُدُوءِ عِنْدَ حُدُوثِ اَلضَّجِيجِ ، وَالْأَهَمَّ أَنَّهُ يُعْطِي لِلْإِصْغَاءِ أَهَمِّيَّةً عُظْمَى .
وَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ لَفَتَ اِنْتِبَاهِي رَدُّهُ عَلَى سُؤَالِي قَائِلاً : سُؤَالٌ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُجِيبَ عَلَيْهِ بِالْجُمْلَةِ وَلَا حَتَّى فَقْرَةٍ ، بَلْ يَحْتَاجُ إِلَى عِدَّةِ أَيَّامِ حَتَّى تَأْخُذَ اَلْإِجَابَةُ اَلصَّائِبَةُ. وَأَنَا كَذَلِكَ أُفَكِّرُ ، لِمَاذَا كُلُّ هَذَا اَلْعَنَاءِ ؟ ! لِمَاذَا لَا يُجِيبُنِي وَيَنْتَهِي اَلْمَوْضُوعُ ! !
سُمِعَتْ اَلسِّكْرِتِيرَ يَقُولُ لَهُ : سَيِّدِي ، اِبْنُكَ يَسْتَأْذِنُكَ بِالدُّخُولِ إِلَيْكَ . عِنْدَمَا سَمَحَ لَهُ بِالدُّخُولِ ، هَمَمْتُ بَالَاسْتَئذِّانِ مِنْهُ ، رَفْضَ وَقَالَ لِي : هَذَا أَوَّلُ يَوْمٍ لِلْإِجَابَةِ عَنْ سُؤَالِكَ ، أَلَا تُرِيدُ ؟ ! قَلَّتْ مُتَعَجِّبًا : بِالتَّأْكِيدِ ! وَجَلَسَتْ . وَعِنْدَمَا دَخَلَ اِبْنُهُ اَلَّذِي لَمْ يَتَخَطَّ اَلثَّانِيَةَ عَشْرَ مِنْ اَلْعُمْرِ ، طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى اَلْعَمَلِ فِي اَلصَّبَاحِ وَيَأْتِي لَهُ بِالْمَالِ فَتَعْجَب اِبْنُهُ وَقَالَ : وَلَكِنْ يَا أَبِي نَحْنُ أَغْنِيَاءَ وَلَدَيْنَا اَلْكَثِيرُ مِنْ اَلْمَالِ فَلِمَاذَا أَعْمَلُ ! فَصَاحَ اَلْوَالِدُ وَقَالَ : اِفْعَلْ مَا أَقُولُهُ لَكَ دُونَ نِقَاشٍ . وَخَرَجَ اِبْنُهُ مُنْزَعِجًا اِنْزِعَاجًا شَدِيدًا ، وَمَلَامِحُ وَجْهِهِ يَخْرُجُ مِنْهَا اَلْغَضَبُ ، وَعُيُونُهُ كَأَنَّهَا تَوقِدُ نَارًا مِنْ شِدَّةِ اَلْغَضَبِ . نَظَرٌ إِلَي وَالِدَهُ وَقَالَ : أَتَعَلَّمُ مَاذَا سَيَحْصُلُ ؟ سَيَذْهَبُ اِبْنِي فِي اَلصَّبَاحِ إِلَى حَيْثُ يَتَجَمَّعُ اَلْعُمَّالُ وَيَسْأَلُ عَنْ مَوْعِدِ اَلْعَمَلِ وَكَمِّ سَيَجْنِي مِنْ هَذَا اَلتَّعَبِ وَمَا هِي طَبِيعَةُ اَلْعَمَلِ وَلَنْ يُعْجِبَهُ وَسَيَذْهَبُ إِلَى أُمِّهِ المُنْفَصِلَة عَنِيَ حَالِيًّا . فَيَتَظَاهَرُ بِالْبُكَاءِ أَمَامَهَا وَيَقُصُّ عَلَيْهَا مَا حَدَثَ ، فَتُسْأَلُهُ وَالِدَتُهَ : وَكَمْ هُوَ ثَمَنُ اَلْيَوْمِ كَامِلاً ! سَيُجِيبُهَا : دِينَارٌ وَاحِدٌ يَا أُمِّي ! وَأَنَا مُتَأَكِّدٌ ، كَمٌّا أَرَاكُ اَلْآنَ أَنَّهَا سَتَقُولُ لَهُ : أَنَّ وَالِدَكَ يَظُنُّ نَفْسَهُ حَكِيمًا مُنْذُ زَمَنٍ لِذَلِكَ تَرَكَتْهُ وَانْفَصَلَتْ وَلَكِنْ لَا تَخَافُ سَوفَ أُعْطِيكُ اَلدِّينَارَ وَلَا تَذْهَبُ إِلَى اَلْعَمَلِ وَ إنْ سَألَكْ وَالِدَكَ قَلَّ لَهُ : لَقَدْ ذَهَبَتْ إِلَى اَلْعَمَلِ .
اِبْتَسَمَتْ وَقُلَتْ لَهُ : جَائِز .
ثُمَّ نَظَرَ إِلَي وَقَالَ : لَا تَنْسَى أَنْ تَأْتِيَ غَدًا ، حَتَّى تُكْمِلَ اَلْإِجَابَةُ . وَذَهَبَتْ .
وَأُتِيَتْ فَي الْيَوْم اَلتَّالِي ، وَاجْتَمَعَ اِبْنُهُ مَرَّةَ ثَانِيَةٍ ، فَسَأَلَهُ وَالِدُهُ : هَلْ ذَهَبَتْ إِلَى اَلْعَمَلِ كَمَا طَلَبَتْ مِنْكَ ؟ قَالَ اِبْنُهُ فِي تَرَدَّدَ : نَعَمْ !
اَلْوَالِدَ : وَ أيِنْ اَلْمَالُ ؟
اِبْنُهُ : هَا هُوَ الدِينَارُ يَا أَبِيٌّ !
فَأَخَذَهُ وَالِدُهُ مِنْهُ وَأَلْقَاهُ مِنْ اَلنَّافِذَةِ فِي دَهْشَةٍ مِنْ اَلصَّبِيِّ ! ثُمَّ نَظَرَ إِلَى اِبْنِهِ فَوَجَدَهُ لَمٌّ يَهْتَمُّ ! وَعِنْدَمَا خَرَجَ اِبْنُهُ ، اِلْتَفَتَ وَالِدُهُ وَقَالَ لِي : سَيَذْهَبُ إِلَى أُمِّهِ مَرَّةً أُخْرَى وَسَيَمْكُثُ إِلَى آخَرِ اَلْيَوْمِ وَسَتُعْطِيهُ اَلدِّينَارَ ، وَبِالْفِعْلِ كَمَا قَالَ وَالِدُهُ حَدَثَ وَذَهَبَ إِلَى وَالِدِهِ فَأَخَذَ الدِينَار وَأَلْقَاهُ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ اَلنَّافِذَةِ وَنَظَرَ إِلَى اِبْنِهِ فَلَمْ يَهْتَمْ أَيْضًا ، تَكَرَّرَ هَذَا اَلْمَوْقِفِ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ وَكُلِّ يَوْمٍ يَأْخُذُ اَلْوَالِدَ مِنْ اِبْنِهِ اَلدِّينَارِ وَيُلْقِي بِهِ مِنْ اَلنَّافِذَةِ ، وَفِي اَلْيَوْمِ اَلرَّابِعِ ، قَالَ لِي وَالِدِهِ ، سَيَذْهَبُ ابَنِي إِلَى وَالِدَتِهِ وَلَنْ يَجِدْهَا فِي اَلْبَيْتِ ، لِأَنَّنِي أَشْغَلَتُهَا فِي أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ ، فَبِالتَأْكِيدَ سَيَحْزَنُ وَيُقَرِّرُ اَلذَّهَابُ إِلَى اَلْعَمَلِ هَذِهِ اَلْمَرَّةِ مِنْ أَجْلِ اَلدِّينَارِ . وَبَيْنَمَا كُنْتُ جَالِسًا مَعَ وَالِدِهِ لَاحَظَ اَلْأَبُ أَنَّ اِبْنَهُ تَأَخَّرَ عَنْ المَوْعِدِ اَلْمُعْتَادِ ، فَاتَصَلَ بِأَشْخَاصٍ لَهُ فِي ذَاكَ اَلْمَكَانِ اَلَّذِي يَعْمَلُ بِهْ اِبْنُهُ ، قَالَ لَهُ إِنَّهُ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ تَعِبَ اَلْوَلَدُ كَثِيرًا وَشَعَرَ بِالْإِرْهَاقِ وَالذُّلِّ وَتَحَامَلَ عَلَى نَفْسِهِ وَهَا هُوَ قَادِمٌ إِلَيْكَ ، وَذَهَبَ إِلَى وَالِدِهِ .
فَسَأَلَهُ أَبُوهُ : أَيْنَ اَلدِّينَارُ ؟
وَكَانَ يَبْدُو عَلَيْهِ عَلَامَاتُ اَلتَّعَبِ وَالْإِرْهَاقِ ، فَقَالَ لَهُ : هَا هُوَ يَا أَبِي تَفَضَّلَ !
فَأَخَذَهُ اَلْوَالِدُ وَأَلْقَاهُ مِنْ اَلنَّافِذَةِ وَنَظَرَ إِلَى اِبْنِهِ وَلَكِنْ هَذِهِ اَلْمَرَّةِ نَزَلَتْ دُمُوعُ اِبْنِهِ عَلَى خَدِّهِ دُونَ أَنْ يَشْعُرَ بِهَا ، وَقَالَ : لِمَاذَا يَا أَبِي فَقَدْ تَحَمَلَّتْ اَلتَّعَبَ وَالذُّلَّ وَالْإِهَانَةَ مِنْ صَاحِبِ اَلْعَمَلِ طُوالَ اَلْيَوْمِ ؟
هُنَا اِبْتَسِمَ اَلْوَالِدُ وَقَالَ لِابْنِهِ : لَا يَشْعُرُ بِالْمَالِ إِلَّا مِنْ تَعِبَ مِنْ أَجْلِهِ وَتَذَكَّرَ دَائِمًا ، أَنَّ اَلْمَالَ اَلَّذِي يَأْتِي دُونَ تَعَبٌ يَذْهَبُ فِي أَتْفَهَ اَلْأُمُورَ دُونَ أَنْ تَشْعُرَ .
ثُمَّ نَظَرَ إِلَي وَقَالَ : أَمَّا اَلْمَالُ اَلَّذِي يَأْتِي بَعْدَ تَعَبٍ وَشَقَاءٍ لَا بُدَّ أَنْ تَضَعَهُ فِي مَحَلِّهِ وَمَكَانِهِ اَلصَّحِيحِ ، كَانَتْ أُمِّي رَحِمَهَا اَللَّهُ تَقُولُ دَائِمًا : ( صَاحِبُ اَلْمَالِ تَعْبَّان ) .