زهير العزه - النشاط السياسي المصحوب بموجات تسونامي إعلامية متتالية ، والذي تشهده المملكة على صعيد تشكيل الاحزاب وفق آليات لم تعرفها البلاد سابقاً ، " حتى وإن كانت هناك تجارب شهدنا عليها ولها انها تجارب حزبية بالحد الادنى انها لم تكن ناجحة , باعتبارها أحزاب لمجموعات من اصحاب المصالح ، وكانت التجربة الاولى في أعقاب استئناف الحياة الديمقراطية بعد أحداث ،١٩٨٩ والثانية بعد إقرار قانون القوائم الإنتخابية ، حيث كان التحشيد لرجال أمن وشخصيات حكومية متقاعدين ، من أجل خوض التجربة الحزبية او تجربة تشكيل القوائم الانتخابية ، وهذه التجارب فشلت بعد ان ظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية أو حصلت بعض التعيينات في المراكز العليا بالدولة.
ولعل من المهم أن نذكر أنه بعد التجارب التي مرت سابقاً ، تفشى اليأس لدى كل من تطلع يوماً ما إلى إمكانية ذهاب البلاد الى الإصلاح السياسي الحقيقي ، وظهرت الدولة عارية ديمقراطياً من ثوب مشاركة المواطنين في صنع قرارهم وتقرير مستقبل حياتهم كما ادّعى الخطاب الرسمي دوماً ، وتراجعت ثقة المواطن بدولته وأجهزتها .
اليوم وكأن البعض لم يتعلم من التجارب السابقة ، وهو يعيد تجارب استيلاد أحزاب من خلال تجميع شخصيات من الطامحين للوزارة والمتقاعدين الحكوميين أو الأمنيين والتجار والمقاولين تحت يافطات وعناوين مختلفة اسمها "الحزب" ، دون أن يدرك هذا البعض أن ما يقوم به بهذه الطريقة هو عبث في مستقبل الحياة السياسية ، وما ستتركه من أثر على مجمل حياة المواطن .
إن الفارق بين السياسة والعبث ، هو كالفارق بين الأمل واليأس ، حيث أن السياسي دوره بث الامل والتفاؤل بين الناس من خلال عمله على إنتاج الحلول لمشاكل الوطن والمواطن ، أما العابث في شارع السياسة فهو المتطلع الى الحصول على المكاسب له ولزمرته او مجموعته دون الإكتراث بحقوق الوطن أو المواطن ، حيث شعاره مصلحتي ومصالح مجموعتي أو" شلّتي" ومن بعد ذلك فليكن الطوفان ، وبذلك فإن دور السياسي هو ضخ الأمل وحب الوطن والإخلاص له من خلال ما يقوم به من خدمة للناس ، على قاعدة أن العامل بالقطاع العام الوظيفي ، او السياسي الحزبي خادم للناس لا سيداً عليهم ، أما العابث فهو الذي يقوم دوره على التخريب على طريقة التاجر الفاجر الذي لا همّ له إلا المصالح المالية على حساب كل شيء ، من خلال ما يسرقه من فرص هي من حق للآخرين ، أو من خلال ما يسرقه من مال هو مال الشعب.
إننا اليوم ونحن نتابع أخبار الأحزاب الوليدة ، أتمنى شخصياً ويتمنى غالبية أبناء الوطن أن تكون أحزاباً حقيقية ، تعبر من خلال برامجها عن ما يتطلع له المواطن من قدرة على المشاركة في صناعة القرار ، وحياة كريمة وديمقراطية تمكنه من التعبير عن معتقداته السياسية وآرائه دون أن يتعرض للاعتقال أو التضييق على حريته ، وأن لا تكون مجرد ديكور لتجميل الحياة السياسية الاردنية والحريات أمام دول العالم وخاصة الغربية منها ، حيث نشهد ويشهد العالم تراجعاً للحريات وغياب لمفهوم المشاركة الشعبية في صناعة القرار.
إن هدوء الساحة الشعبية الاردنية لا يعني أن الوطن والمواطن بخير.. إذ يكفي المواطن ما ينوء تحته من أعباء اقتصادية ومعيشية واجتماعية تعجز الجبال عن حملها ، وبالتالي على من يديرون المشهد مراجعة حساباتهم وخاصة في اعادة الثقة للعلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة ، والتي من المؤكد لن تعيدها احزاب سقطت من موجة عاصفة عابرة ليس مستقرها الاردن ، وأمطارها ستذهب بعيداً بما تحمل من خيرات ، فالخيرات المتطلع لها والتحديات التي تواجه الوطن تحتاج الى من يقفون مع وطن حرعزيز ودولة قابلة للحياة ، وطريق ذلك معروف وهو من خلال الدفاع عن التنوع والاختلاف ، والحريات العامة وحرية التعبير في إطار ديمقراطي حقيقي يبدأ بناؤه من مجلس النواب ولا يتم التدخل في اختيار أعضاء المجلس كما حصل في سنوات سابقة ، ومن خلال أحزاب يؤمن كل من ينتمي لها بالعمل الحزبي كحالة إجتماعية ، وليس فقط حالة سياسية أو إقتصادية ، وبعيداً عن حالة الإنتهازية التي شكّلت في مراحل عديدة تكوين الأحزاب المستولدة على قاعدة المصالح.