بقلم :هشام الهبيشان - يبدو أن الحديث الصيني الاخير عن مشروع تقارب إيراني – سعودي ،قد اثار قريحة بعض الإعلام العربي ،وهنا يبدو أنّ بعض الإعلام العربي، على مختلف توجهاته، ما زال يعاني من عبثية التقاط الأخبار وترويجها، بالإضافة إلى أسلوب عبثي في تحليلها وبناء الأفكار حولها.. «بروباغندا» الإعلام العربي بات يشوبها في الفترة الأخيرة الكثير من التناقضات، وكأنّ هذا الإعلام مُغيّب عن حقائق الواقع المعاش ، رغم كل التفاؤل بالحديث من قبل المسؤوليين في طهران والرياض .
إنّ الحديث اليوم عن مشروع تقارب سعودي ــــ إيراني، تدعمه وتديره محاور جديدة تتشكل بالمنطقة والعالم ، هو أقرب إلى الهزلية منه إلى الواقعية، ذلك أنّ المتابع لطبيعة تشعُّب الخلافات بين نظامين الدولتين، أبعاداً وخلفيات، يستنتج أنه يستحيل، في هذه المرحلة تحديداً، حصول تقارب بين النظامين لأسباب كثيرة، ومهما كانت المخاطر الإقليمية والدولية التي تواجه الرياض وطهران، لا يمكن أبداً الحديث عن فرص تقارب، خصوصاً أنّ لكلّ منهما مشروعاً، وكليهما يسعيان إلى بناء نفسيهما كقوتين إقليميتين، ولكلّ منهما ثأر طويل مع الآخر.
تؤكد التطورات أنّ هناك أكثر من ساحة اشتباك سعودي ـــ إيراني، تبدأ في اليمن ولا تنتهي في لبنان، كما أنه لا يمكن إنكار حقيقة أنّ إيران ما زالت تدعم، وبقوة الشراكة مع حلفائها في اليمن "أنصار الله "،وعلى النقيض من ذلك تستميت السعودية في اليمن للقضاء على حلفاء إيران ، رغم الصورة التي تحاول أن تظهرها السعودية بالبحث عن حلول سياسية للملف اليمني ، والمشهد في اليمن ، ينسحب كذلك على مجموعة ملفات في لبنان وسورية والعراق وافغانستان وباكستان وووو،ألخ.
وهنا يجب التنويه ، لمسألة هامة ،أن كلتا الدولتين وعبر منابرها الرسمية ،في السنوات الأخيرة على الأقل " لم تترك ودوائرها الإعلامية مناسبة دولية أو محفلاً إقليمياً أو محلياً، إلا وكانت تكرر أسطوانتها ،والتي تعبر عن العداء الظاهر بين الدولتين،وهنا، يجب أن لا يغيب عن إذهاننا عند الحديث عن السعودية والتقارب مع إيران، دور أمريكا الحليف الأبرز للرياض عالمياً ودولياً، فهل هناك في الأصل توافق أمريكي ــــ إيراني، حتى ينسحب هذا التوافق على الحالة الإيرانية ــــ السعودية !؟..وبعيداً عن ساحات الاشتباك المتعدّدة الوجوه والأشكال بين الرياض وطهران، تؤكد مجريات الأحداث أنّ مجرد التفكير بتقارب سعودي ـــ إيراني هو تفكير عبثي، رغم الحديث الصيني ،والحديث عن فتح سفارات وعودة علاقات،والحديث عن وساطة عراقية - عمانية ،والحديث عن قرب الزيارات المتبادلة بين الجانبين ، ومجمل كل هذه الملفات سينعكس على أشباع الإعلام بالصور التذكارية ، بعيداً عن الخلافات الدائرة خلف الأبواب المغلقة والمعلنة خلف الكواليس .
وهنا يعي معظم المراقبون، بدورهم، جيداً حجم الخلافات السعودية ــــ الإيرانية، ويعلمون أنّ من الصعوبة الحديث عن تقارب وأنّ كلّ الاحاديث عن تقارب ما ستكون عبثية لا فائدة منها، فالسعوديون لن يقدموا أي تنازلات لإيران، أما الإيرانيين فلن يتنازلوا عن مشاريعهم في المنطقة العربية والأقليم، وهذا بدوره يؤكد إنّ مساعي البعض هنا وهناك والساعية لبناء توافقات إقليمية تؤسِّس لبناء تحالفات ذات طابع جديد، ستواجه العديد من التحديات.
ختاماً ، لايمكن لأي متابع أن ينكر حقيقة وجود مجموعة صعوبات ومعيقات تعيق التقارب بين طهران والرياض،وهذا ما ينذر بالتأكيد بأنّ هناك متغيرات إقليمية مقبلة ستُحدث تغييراً جذرياً في قواعد التحالف الإقليمية، وستعيد تشكيل أقطاب الأحلاف الجديدة في المنطقة، ما يعني أنّ المنطقة برمتها مقبلة على تغيرات جيو سياسية كبرى،ولهذا لايمكن بهذه المرحلة بالتحديد الحديث عن تقارب ما بين طهران والرياض ،بانتظار طبيعة وشكل التحالفات المقبلة بالمنطقة بمجموعها ، والتي ستحدد معالمها ضربة عسكرية صهيونية متوقعة وبقوة بالفترة القليلة المقبلة لإيران ، وطبيعة الرد الإيراني عليها ، وأي دور سيكون لأمريكا والغرب حينها ؟ ، وماموقف ودور دول الخليج العربي من مجمل الأحداث حينها ؟.
*كاتب وناشط سياسي – الأردن.
hesham.habeshan@yahoo.com