الكاتبة :- هبة احمد الحجاج - اَلْجَمِيعَ يُؤْمِنُ بِأَنَّ ( اَلْجُهْدُ ) هُوَ اَلسَّبِيلُ اَلْأَفْضَلُ لِتَحْقِيقِ أَيِّ شَيْءٍ تُرِيدُهُ ، فَالْمُوَظَّفُ يُؤْمِنُ بِأَنَّ اَلْجُهْدَ وَ التَّعَبَ هُوَ اَلسَّبِيلُ اَلْأَمْثَلُ لِلْحُصُولِ عَلَى اَلتَّرْقِيَةِ وَ زِيَادَةِ اَلرَّاتِبِ ، كَمَا أَنَّ اَلطَّالِبَ يُؤْمِنُ أَنَّ اَلْجِدَّ وَ التَّعَبَ فِي اَلدِّرَاسَةِ هُوَ اَلَّذِي سَيَجْعَلُهُ يَحْصُلُ عَلَى دَرَجَاتٍ أَعْلَى وَ أَكْثَرَ . لَكِنْ هَلْ اَلْأَمْرُ صَحِيحٌ فِعْلاً ؟ هَلْ اَلْجُهْدُ وَ التَّعَبُ فِي سَبِيلِ شَيْءِ مَا هُوَ اَلطَّرِيقُ اَلْأَفْضَلُ لِأَجَلِ تَحْقِيقِهِ ؟ وَ إِذَا كَانَ صَحِيحًا فَمًا تَفْسِيرَ أُولَئِكَ اَلَّذِينَ يَنْجَحُونَ دُونُ جُهْدٍ أَوْ تَعَبٍ ، كَيْفَ فَعَلُوهَا إِذًا ! لَا أَحَدَ يَنْفِي دَوْرَ اَلْجُهْدِ فِي سَبِيلِ تَحْقِيقِ أَيِّ شَيْءٍ ، لَكِنَّ تَقْزِيمَ دَوْرٍ ( اَلذَّكَاءُ ) فِي هَذَا اَلْمَوْضُوعِ كَارِثَةً حَقِيقِيَّةً .
وَبَيْنَمَا أَنَا أُفَكِّرُ وَ أحْلُلْ وَ أُنَاقِش هَذَا اَلْمَوْضُوعِ رَأَيْتُ عُصْفُورًا يَطْرُقُ بِمُنْقَاره عَلَى نَافِذَتِي ، نَظَرَتُ إِلَى اَلنَّافِذَةِ ، فرَأَيْتُ اَلْفَصْلُ اَلَّذِي تَبْتَسِمُ فِيهِ اَلْكَائِنَاتُ وَ يُصْبِحُ اَلْجَوُّ أَكْثَرَ حَنَانًا وَ أَقَلّ قَسْوَةً ، وَ فِيهِ تَنْقَشِع غُيُومُ اَلسَّمَاءِ اَلْقَاسِيَةِ وَ تَسْكُنُ اَلرِّيَاحُ وَ الْعَوَاصِفُ ، وَ تَبْدَأَ اَلزُّهُورُ وَ الْفَرَاشَاتُ بِالظُّهُورِ مِنْ جَدِيدٍ ، لِتُعْلِن لِلدُّنْيَا أَنَّ لِلْفَرَحِ مَوَاسِمَ كَثِيرَةً وَ أَنَّ اَلرَّبِيعَ هُوَ سَيِّدُ هَذِهِ اَلْمَوَاسِمِ عَلَى اَلْإِطْلَاقِ ، فَهُوَ فَصْلُ اَلتَّجَدُّدِ وَ التَّغْيِيرِ وَ الْإِقْبَالِ عَلَى اَلْحَيَاةِ ، وَ فِيهِ يَتَجَدَّدُ اَلْأَمَلُ وَ يُشْرِقُ اَللَّوْنُ اَلْأَخْضَرُ لِيُعْطِيَ بَهْجَةً لَا تُوَازِيهَا بَهْجَةٌ . فَهُوَ اَلْأَقْرَبُ إِلَى اَلْقَلْبِ مِنْ بَيْنِهَا جَمِيعًا ، فَبَعْدَ قَسْوَةِ اَلشِّتَاءِ وَ بَرْدِهِ وَ جُنُونِ عَوَاصِفِهِ ، يَأْتِي هُوَ كَمِنْحَةٍ إِلَهِيَّةٍ عَظِيمَةٍ تَسْتَقِرُّ بِهِ اَلنُّفُوسُ وَ تَبْتَهِجُ اَلْقُلُوبُ . اَلْجَوُّ بَدِيعْ وَ الْفَصْلِ رَبِيعْ ، وَقْتُ جَدّ مُلَائِمٍ لِلْقِيَامِ بِنُزْهَةٍ فِي أَرْجَاءِ اَلطَّبِيعَةِ اَلْخَضْرَاءِ ، فَنُبْهِجُ اَلنَّفْس وَ نُرِيحهَا مِنْ صَخَبِ اَلْمَدِينَةِ وَ ضَوْضَائِهَا . قَرَّرَتْ أَنْ تَكُونَ وُجْهَتِي إِلَى اَلشَّاطِئِ . بَعْدَ تَعْبِئَةِ بَعْضِ اَلْأَطْعِمَةِ وَ الْمَشْرُوبَاتِ ، اِنْطَلَقَتْ ، وَ عِنْدَمَا وَصَلَتْ إِلَى اَلشَّاطِئِ كَانَ مُزْدَحِمًا لِلْغَايَةِ ، كَانَ اَلنَّسِيمُ اَلْخَفِيفُ يُشْعِرُ بِالِارْتِيَاحِ لِأَنَّهُ يُلَامِسُ خُدُودَنَا ، وَجَدَتُ مَكَانًا تَحْتَ شَجَرَةٍ مُظَلِّلَةٍ لِوَضْعِ أَغْرَاضِنَا . . وَ بَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ ، لَفَتَ اِنْتِبَاهِي طِفْلَةً تَقُومُ بِالرَّسْمِ عَلَى لَوْحَتِهَا بِطَرِيقَةٍ ذَكِيَّةٍ ، كَانَتْ تَضَعُ اَلْأَلْعَابَ بِاتِجَاهِ اَلشَّمْسِ وَ يَعْكِسُ ظِلٌ لِأَلْعَابِهَا عَلَى اَلْوَرَقَةِ ، فَتَقُومُ بِرَسْمِهَا ، كَانَتْ لَا تَعْمَلُ بِجُهْدٍ ، كَانَتْ تَعْمَلُ بِذَكَاءٍ ! نَظَرَتْ إِلَي مُبْتَسِمَةً قَائِلَةً : سَاعَاتُ اَلْعَمَلِ اَلْقَلِيلَةِ مَعَ " اَلتَّرْكِيزِ اَلْعَمِيقِ " سَتَتَغَلَّبُ دَائِمًا عَلَى سَاعَةِ اَلْعَمَلِ اَلْكَثِيرَةِ دُونَ تَرْكِيزٍ . اِعْمَلْ بِذَكَاءٍ وَ تَرْكِيز لِسَاعَاتٍ قَلِيلَةٍ ؛ ثُمَّ اِسْتَمْتَعَ بِبَقِيَّةِ يَوْمِكَ .
بَادَلَتُهَا اِبْتِسَامَتُهَا اَلْمَمْزُوجَةُ بِالطُّفُولَةِ و البراءة ، وَ بَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ ، شَعَرَتُ لِوَهْلَةِ أَنَّ كُرْسِيَّ اَلَّذِي أَجْلِسُ عَلَيْهِ يَهْتَزُّ ، وَ إِذْ طِفْلٌ صَغِيرٌ تَعْلُو عَلَى مَلَامِحِهِ اَلطُّفُولِيَّةِ اَلْغَضَبُ وَ الِانْزِعَاجُ ، التَفُتْ إِلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ وَقُلْتُ لَهُ : لِمَاذَا كُلُّ هَذَا اَلْإِنزْعَاجِ وَ الْعَصَبِيَّةِ إِلَى هَذَا اَلْحَدِّ وَ أَنْتَ فِي هَذِا اَلسِّنِّ مِنْ اَلْعُمْرِ . نَظَرٌ إِلَيَّ نَظْرَةً تَمْلَّكَهَا اَلْغَضَبَ وَ الِاسْتِياءَ قَائِلاً : " كَانَ أَخِي اَلْأَصْغَرُ مَهْوُوسًا بِكُتُبٍ اَلْفَلْسَفَةِ حَتَّى بَاتَ يَتَحَدَّثُ بِطَرِيقَةٍ فَلْسَفِيَّةٍ مُزْعِجَةٍ وَ عَلَى سَبِيلِ اَلْمِثَالِ : . إِذَا أَرَادَ اَلطَّعَامَ قَالَ لِأُمِّهِ : اَلْجُوعُ كَافِرٌ وَ أَنْتِ اَلْإِيمَانُ يَا بِنْت اَلْأَكَابِرِ .
وَ إِذَا أَرَادَ اَلنُّقُودَ يَقُولُ لِأَبِيهِ : يابْنَ جِدِّيٍّ هَلْ أَمْسَيْتُ فَقِيرًا أَمْ أَنَّكَ تَسْتَلِذُّ بِفَقْرِي ؟
وَ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا مِنْ أُخْتِهِ اَلصَّغِيرَةِ قَالَ لَهَا : سَيِّدُ اَلْقَوْمِ خَادِمُهُمْ فَهَلْ لَكَ أَنْ تَكُونِيَ سَيِّدَتِي ؟
كَانَتْ أُمِّي تَبْتَسِمُ وَ تُحَضِرُ لَهُ اَلطَّعَامُ ، وَ أَبِي يَبْتَسِمُ وَ يُعْطِيهُ اَلنُّقُودُ ، وَ أُخْتِي تَضْحَكُ وَ تُرَتَّبَ لَهُ حَوَائِجِهِ . وَ أَنَا لِأَنَّنِي لَمْ أَقْرَأْ كُتُبًا لِسُقْرَاطْ وَ أَفْلَاطُونْ وَ شَكْسِبِيرْ لَا أَحَدَ يُحَضِرُ لِي اَلطَّعَامُ ، وَ لَا أَحَد يُعْطِينِي نُقُودًا ، وَ لَا أَحَدًا يُرَتِّبُ حَوَائِجِي .
وَ يَسْأَلُونَكَ لِمَاذَا تَقْرَأُ كُلَّ هَذِهِ اَلْكُتُبِ ؟!
اِنْتَابَنِي اَلضَّحِكُ بِشَّكْلٍ هِسْتِيرِيّ ، ثُمَّ نَظَرَتُ إِلَيْهِ وَقَلَّتُ : لَا تَعْمَلْ بِجُهْدٍ اِعْمَلْ بِذَكَاءٍ ! وَ لَا تَنْتَظِرُ ، اَلْوَقْتُ لَنْ يَكُونَ صَحِيحًا أَبَدًا ، فَقَطْ اِبْدَأْ مِنْ حَيْثُ تَقِفُ ، وَ اعْمَلْ بِاسْتِخْدَامِ أَيِّ شَيْءٍ مَوْجُودٍ مَهْمَا كَانَ بَسِيطًا ، فخِلَالَ تَقَدُّمِكَ سَيُصْبِحُ مِنْ اَلسَّهْلِ اَلْعُثُورِ عَلَى أَشْيَاءِ أَفْضَلَ وَ أَكْثَرَ . نَظَرٌ إِلَى وَكَأنَهُ يَقُول : أَنَا لَا أَفْهَمُكُ .
قُلْتُ لَهُ : أَثْرَى تِلْكَ اَلْبَقَرَةِ ، كَيْفَ أَنَّهُمْ يُسَوِّقْنَهَا وَ لَا يَقَدِّرُونَ عَلَيْهَا ، اُنْظُرْ كَيْفَ يَدْفَعُونَ اَلْبَقَرَةُ مِنْ اَلْخَلْفِ فَلَا تَسِيرُ مَعَهُمْ ، اُنْظُرْ إِلَى ذَلِكَ الشَخْص أَسْمَعْتَ مَاذَا قَالَ لَهُمْ ؟ قَالَ لَهُمْ : اُتْرُكُوهَا لَي ، فَأَمْسَكَ بِحُزْمَةِ بِرْسِيمٍ وَ سَارَ أَمَامَ اَلْبَقَرَةِ وَ بِكُلِّ سُهُولَةٍ سَارَتْ مَعَهُ إِلَى حَيْثُ يُرِيدُ ، لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَعْمَلَ بِذَكَاءٍ وَ لَيْسَ بِجُهْدِ .
نَظَرَ إِلَيّ وَ قَالَ : اَلْآنُ فَهِمَتْ مَقْصِدَكَ . ثُمَّ أَخَذَ يَقْفِزُ وَ يَصِيحُ بِشَّكْلٍ جُنُونِيٍّ وَ يَقُولُ : هُنَاكَ سَفِينَةٌ آتِيَةٌ مِنْ بِعِيدِ ، أتَرىْ ؟ مَنْظَرُهَا جَمِيلاً وَ خَلَّابًا لِلْغَايَةِ . مَا أَجْمَلُ مَنْظَرَ اَلسَّفِينَةِ وَهِيَ تُبْحِرُ فِي اَلْبَحْرِ مَاضِيَةً فِي طَرِيقِهَا بِكُلِّ هُدُوءِ شُمُوخٍ ، وَ كَأَنَّهَا بِهَذَا اَلْمَنْظَرِ قَدْ تَرَفَّعَتْ فَوْقَ كُلِّ مَا يدَنْسَهَا وَلَمْ تَأْبَهْ لَهُ ، جَمِيل مَنْظَرِ اَلسَّفِينَةِ وَهِيَ تَشُقُّ مَوْجَ اَلْبَحْرِ اَلْمُتَلَوِّنِ فِي هُدُوء وَ سَكِينَةٍ ، وَ عَلَى سَيْفِ اَلْبَحْرِ أَرْسَتْ سَفِينَةً تَسْتَغِيثُ اَلْغَيْمَ تُرِيدُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ اَلشَّمْسُ وَبِهَا . . . تُسْتَكْمَل اَلصُّورَةُ !
وَ عِنْدَمَا رَسَتْ اَلسَّفِينَةُ ، خَرَجَ مِنْهَا رَجُلَانِ ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْا مَلَامِحُ اَلدَّهْشَةِ وَ الِانْبِهَارِ ، اِقْتَرَبَا مِنْ اَلْبَائِعِ اَلْمُتَجَوِّلِ عَلَى أَطْرَافِ اَلْبَحْرِ وَ جَلَسَا بِالْقُرْبِ منِيَ . وَ أَخَذَا يَتَحَدَّثَانِ وَكَانَ صَوْتُهُمَا مُرْتَفِعٌ بَعْضُ اَلشَّيْءِ .
سَمِعَتْ صَدِيقَهُ يَقُولُ لَهُ : كَيْفَ يَحْصُلُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ اَلْمَبْلَغِ ؟ ! أَخْبَرَنِي بِمَا حَدَثَ عَلَى عَجَلٍ ! !
قَالَ إِلَيْكَ اَلْقِصَّةُ : تَعَطُّلُ مُحَرِّكِ سَفِينَةِ عِمْلَاقٍ فَاسْتَعَانَ أَصْحَابُ اَلسَّفِينَةِ بِجَمِيعِ اَلْخُبَرَاءِ اَلْمَوْجُودِينَ ، لَكِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُ مِنْهُمْ مَعْرِفَةَ كَيْفَ يَصْلُحُ اَلْمُحَرِّكُ ! ! ثُمَّ أَحْضَرُوا رَجُلاً عَجُوزًا يَعْمَلُ فِي إِصْلَاحِ اَلسُّفُنِ مُنْذُ أَنْ كَانَ شَابًّا ، كَانَ يَحْمِلُ حَقِيبَةَ أَدَوَاتٍ كَبِيرَةٍ مَعَهُ ، وَعِنْدَمَا وَصَلَ بَاشَرَ اَلْعَمَلِ .
فَحْص اَلْمُحَرِّكِ بِشَكْلٍ دَقِيقٍ ، مِنْ اَلْقِمَّةِ إِلَى اَلْقَاعِ كَانَ هُنَاكَ اِثْنَانِ مِنْ أَصْحَابِ اَلسَّفِينَةِ مَعَهُ يُرَاقِبُونَهُ ، رَاجِينَ أَنْ يَعْرِفَ مَاذَا يَفْعَلُ لِإِصْلَاحِ اَلْمُحَرِّكِ . بُعْدُ اَلِانْتِهَاءِ مِنْ اَلْفَحْصِ ، ذَهَبَ اَلرَّجُلُ اَلْعَجُوزُ إِلَى حَقِيبَتِهِ وَأَخْرَجَ مِطْرَقَةً صَغِيرَةً وَبِهُدُوءِ طُرُق عَلَى جُزْءٍ مِنْ اَلْمُحَرِّكِ . وَفَوْرًا عَادَ اَلْمُحَرِّكُ لِلْحَيَاةِ ! ! وَبِعِنَايَةِ أَعَادِي اَلْمِطْرَقَةِ إِلَى مَكَانِهَا . اَلْمُحَرِّكُ أُصْلِحَ !
وَبُعْدُ أُسْبُوعٍ اِسْتَلَمَ أَصْحَابُ اَلسَّفِينَةِ فَاتُورَةَ اَلْإِصْلَاحِ مِنْ اَلرَّجُلِ اَلْعَجُوزِ وَكَانَتْ عَشَرَةُ آلَافِ دُولَارِ!
أَصْحَابِ اَلسَّفِينَةِ اِسْتَغْرَبُوا وَقَالُوا " هُوَ بِالْكَادِ فَعَلَ شَيْئًا " لِذَلِكَ كَتَبُوا لِلرَّجُلِ اَلْعَجُوزُ مُلَاحَظَةً تَقُولُ " رَجَاءً أَرْسَلَ لَنَا فَاتُورَةٌ مُفَصَّلَةٌ . " أَرْسَلَ اَلرَّجُلُ اَلْفَاتُورَةَ كَالتَّالِي : اَلطُّرُقُ بِالْمِطْرَقَةِ $ 1.00 مَعْرِفَةِ أَيْنَ تَطَرَّقَ $ 9999.00 إِنَّهَا اَلْمَعْرِفَةُ وَالْمَهَارَةُ وَلَيْسَ اَلْجُهْدُ فَقَطْ ! !
وَأَنَا قُلْتُ فِي نَفْسِي : هُنَاكَ اَلْكَثِيرُ مِنْ اَلْأَشْخَاصِ اَلَّذِينَ يَكُدُّونَ فِي اَللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ مِنْ تَعَبِهِمْ إِلَّا لُقَيْمَاتٍ تَسُدُّ اَلرَّمَقَ ، اَلْجُهْدُ مُهِمٌّ ، لَكِنَّ مَعْرِفَةَ أَيْنَ تَبْذُلُ اَلْجُهْدَ ، وَأَيْنَ تَوَجَّهَ طَاقَتَكَ وَتَضَعُ تَرْكِيزَكَ هُوَ اَلْأَهَمُّ وَإِذْ أسْمَعْ صَوْتَ فَتَاةٍ سَمِينَةٍ بَعْضُ اَلشَّيْءِ ، وَتَرَتدِّي اَلْمَلَابِسِ اَلرِّيَاضَةِ ، خَمَّنَتْ أَنَّهَا كَانَتْ تُمَارِسُ رِيَاضَةَ اَلرَّكْضِ ، تَقُولَ لَي : هَلْ يُوجَدُ لَدَيْكَ زُجَاجَةُ مَاءٍ ؟ لَقَدْ ضَاعَتْ زُجَاجَتِي .
أُعْطِيَّتُهَا عَلَى اَلْفَوْرِ . . . وَأَخَذَتْ تَشْرَبُ اَلْمَاءَ وَكَأَنَّهَا كَانَتْ تَبْحَثُ فِي الصَحْرَاءَ لِمُدَّةِ أَيَّامٍ طَوِيلَةٍ عَلَى مَاءٍ وَلَمْ تَحْصُلْ عَلَى مَاءٍ ، وَعِنْدَمَا اِكْتَفَتْ مِنْهَا نَظَرَتْ إِلَي وَكَانَتْ نَظْرَتُهَا تَمْلَؤُهَا اَلْضَجْرَ وَالْمَلَلَ وَقَالَتْ : أَنَا تَعَلَّمْتُ دَرْسًا مِنْ مُمَارَسَتِي للرِيَاضَةً ، " لَا تَعْمَلُ بِجُهْدٍ اِعْمَلْ بِذَكَاءِ " ، خَاصَّةٍ اَلْمُبْتَدِئِينَ يَظُنُّ أَنَّ كَمَالَ اَلْأَجْسَامِ هِيَ رِيَاضَةُ جُهْدٍ جَبَّارٍ وَرَفَعَ أَثْقَالٌ . لَكِنَّ اَلْحَقِيقَةَ أَنَّهَا رِيَاضَةُ ذَكَاءٍ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، اَلذَّكَاءُ فِي بَرْنَامَجِكَ اَلْغِذَائِيِّ وَفِي أَدَائِكَ اَلصَّحِيحِ لِلتَّمَارِينِ وَفِي مَعْرِفَةَ مَا تَتَنَاوَلُهُ فِي يَوْمِكَ وَحِسَابُ السُعْرَاتِ ، وَاحْتِيَاجَاتِكَ اَلْيَوْمِيَّةِ وَتَنْسِيقَكَ بَيَّنَ اَلتَّمَارِينَ وَمَعْرِفَةِ كُلِّ تَمْرِينِ مَاذَا يَسْتَهْدِفُ . . . إِلَخْ ، أَمَّا اَلْأَوْزَانُ اَلْكَبِيرَةُ فَهِيَ تَأْتِي مَعَ اَلْمُمَارَسَةِ وَالِانْتِظَامِ وَالصَّبْرِ .
ثُمَّ شَكَرَتنِي وَعَادَتْ إِلَى الرَكْضِ مُجَدَّدًا .
مَسَكَتْ قَلَمِي وَكَتَبَتْ عَلَى دَفْتَرِيٍّ : اِعْمَلْ بِذَكَاءٍ وَلَيْسَ بِجُهْدِ .
وَإِذْ يَجْلِسُ بِجَانِبَيْ شَخْصٌ غَرِيبُ اَلْأَطْوَارِ ، أَخْذُ اَلدَّفْتَرِ وَقَرَأ اَلْعُنْوَانُ بِصَّوْتِ مُرْتَفِعٍ ، اِعْمَلْ بِذَكَاءٍ وَلَيْسَ بِجُهْدٍ . مَا هِيَ وُجْهَةُ نَظَرِكَ لِهَذَه اَلْمَقُولة ؟
قُلْتُ لَهُ : قِصَّةٌ مِنْ سِلْسِلَةِ اِعْمَلْ بِذَكَاءٍ وَلَا تَعْمَلُ بِجُهْدٍ . اَلْأَمْرِيكِيَّ " دَاسْتُونْ لَاوْ " أَرَادَ بَيْعُ بَيْتِهِ بِمَبْلَغِ مِلْيُونِ دُولَارٍ ، لَكِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدٌ لِشِرَائِهِ بِهَذَا اَلسِّعْرِ فَأَعْلَنَ أَنَّهُ سَوْفَ يَبِيعُهُ بِمَبْلَغِ دُولَارٍ وَاحِدٍ فَقَطْ لَكِنَّ عَنْ طَرِيقِ اَلْقُرْعَةِ قَامَ " دَاسْتُونْ " بِطَبْعِ بِطَاقَاتٍ لِلْقُرْعَةِ وَبَيْعِهَا بِسِعْرِ دُولَارٍ لِلْبِطَاقَةِ اَلْوَاحِدَةِ وَقَدْ بَاعَ وَقْتُهَا مَا يُقَارِبُ اَلْ 2 مِلْيُونَ بِطَاقَةِ وَجَمْعِ 2 مِلْيُونِ دُولَارٍ . وَفِي اَلْيَوْمِ اَلْمُحَدَّدِ تَمَّ إِجْرَاءَ اَلْقُرْعَةِ أَمَامَ اَلْجَمِيعِ وَفَازَ بِهَا شَخْصٌ وَاحِدٌ فَقَطْ بُعْدَهَا قَامَ " دَاسْتُونْ " بِتَسْلِيمِ اَلْبَيْتِ لِلشَّخْصِ سَعِيدْ اَلْحَظِّ اَلَّذِي فَازَ بِالْقُرْعَةِ . بُعْدُ خَصْمِ اَلضَّرَائِبِ تَبَقَّى ل " دَاسْتُونْ " حَوَالَيْ مِلْيُونٍ و 700 أَلْفِ دُولَارٍ . ! اَلْعِبْرَةُ : " لِكَيْ تَنْجَحَ لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ إِمْكَانِيَّاتُكَ كَبِيرَةً يَكْفِي أَنْ تَكُونَ طَرِيقَتُكَ ذَكِيَّةً ".
نَظَر إِلَي نَظْرَة يمْلَاؤْهَا التَسَاؤُلٌ وَ الدَهْشَةٌ وَأَخْذٌ يُرَدِّدُ : " اِعْمَلْ بِذَكَاءٍ وَلَيْسَ بِجُهْدِ " عِبَارَةِ مَعْنَاهَا صَحِيحٍ طَبْعًا ، بَلْ أَحْسَبهَا رُكْنًا أَسَاسِيًّا مِنْ أَرْكَانٍ ( اَلْهَنْدَسَةُ ) وَهِيَ تَعْنِي أَنَّهُ عَلَيْكَ اَلْبَحْثُ عَنْ اَلْحُلُولِ اَلَّتِي تُعْطِيكَ أَفْضَلَ نَتِيجَةِ بِأَقَلَّ جُهْدًا مُمْكِنًا .
لَكِنَّ هَذِهِ اَلْعِبَارَةِ قَدْ ذَاعَ صِيتُهَا مُؤَخَّرًا بَيْن اَلْكُسَالَى ؛ يَسْتَخْدِمُنهَا لِلتَّهَرُّبِ مِنْ كُلِّ مَسْؤُولِيَّةٍ إِضَافِيَّةٍ تَتَطَلَّبُ جُهْدًا ، كَمَا تُشْعِرُهُمْ بِتَفَوُّقٍ وَهْمِيٍّ عَلَى أَقْرَانِهِمْ اَلَّذِينَ يَكْدَحُونَ - لَيْلُ نَهَارٍ - . وَالْقَاعِدَةُ اَلْعَامَّةُ تَقُولُ : ( ( لَا نَجَاح دُونَ جُهْدٍ ) ). وَإِنَّ حَصَلَتْ اِسْتِثْنَاءَاتٍ فَلَا يُمْكِنُ تَعْمِيمُهَا ، وَهِيَ غَالِبًا نَجَاحَاتِ لَنْ تَسْتَمِرَّ إِنَّ لَمْ يَبْذُلْ لَهَا أَيُّ جُهْدِ لَاحِقًا .
أَخِيرًا . . . لِكُلٍّ مِنْ يَنْشُرُ اَلْعِبَارَةَ : إِنَّ كَانَ قَصْدُكَ بِالذَّكَاءِ اَلذَّكَاءِ اَلْفِطْرِيِّ ؛ فَهَذَا لَيْسَ بِعَامِلٍ كَافٍ لِلنَّجَاحِ ، فَلَا تَوَهَّمَ نَفْسَكَ أَنَّكَ سَتُحَقِّقُ نَجَاحًا أَكْبَرَ لِمُجَرَّدِ ذَكَائِكَ . أَمَّا إِنْ كَانَ اَلْمَقْصُودُ هُوَ اَلذَّكَاءُ اَلنَّاتِجُ عَنْ دِرَاسَةٍ وَمُتَابَعَةٍ وَتَحْلِيلٍ وَتَوَقُّعَاتٍ ؛ فَهَذَا بِحَدِّ ذَاتِهِ جُهْد ، وَقَدْ يَفُوقُ اَلْجُهْدُ اَلْبَدَنِيُّ لِلْكَثِيرِ مِنْ اَلْأَعْمَالِ !
قُلْتُ لَهُ : اِتَّفَقَ مَعَكَ مِنْ هَذِهِ النَاحِيَةٌ وَلَكِنْ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى ، غَالِبًا مَا يُنْفِقُ مُعْظَمُ اَلْأَشْخَاصِ وَقْتًا كَبِيرًا فِي اَلْعَمَلِ اَلْجَادِّ وَالْمُرْهَقِ لِدَرَجَةٍ يُصْبِح فِيهَا اَلْعَمَلُ مُمِلًّا وَتَغَيَّبُ اَلْمُتْعَةَ اَلْحَقِيقِيَّةُ مِنْهُ ، وَلَكِنْ اَلْعَمَلَ بِجُهْدِ أَكْبَرَ لَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى تَخْفِيفِ مَتَاعِبِ اَلْحَيَاةِ . ضَرُورَةُ اَلْعَمَلِ بِذَكَاءِ أَكْبَرَ هُوَ اَلْأَمْرُ اَلَّذِي يَعْتَبِرُ اَلْمِفْتَاحُ اَلْحَقِيقِيُّ لِلنَّجَاحِ . وَلَكِنْ كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْأَشْخَاصِ اَلْعَمَلُ بِذَكَاءٍ دَوَّنَ اَلْحَاجَةَ إِلَى بَذْلِ اَلْكَثِيرِ مِنْ اَلْجُهْدِ ؟ حُلِّلَ وَنَاقَشَ . . . !