إنّ طبيعة التحدّيات التي تواجه الأردن اليوم تختلف كثيرًا عمّا كانت عليه في السابق، لأنّ حكومات الأردن الحديثة عملت على توسيع نظام التعليم، كان من نتائجه تخريج الملايين من الأردنيين و العرب من الجامعات الأردنية بينهم العديد من الأدباء و المهندسين، والأطباء، والعلماء. والتقانيّين…، لكنّ هذه الكفاءات العلميّة تبقى عاجزة عن تحسين الحال الوطنيّ من خلال تعزيز الثقافة السياسيّة عبر تشكيل منظومات وطنيّة للعلم، والتَّقانة من جهة، ومن خلال قدرة الحكومات على تبنّي سياسات علم قويّة من جهة أخرى.
ومنذ عشرات السنين ألحقت التدخّلات الأجنبيّة ضررًا كبيرًا في نواحٍ كثيرة من الثقافة الأردنية عن طريق إنتشار القوّة العلميّة، والتَّقانيّة التي عجزت قدرات الأردن عن مواجهتها. وهذا ما يتطلّب إعادة بناء مستقبل أردني، لأنّ التحدّيات التي تواجه الإردن اليوم كبيرة جدًّا تستدعي المواجهة. وقد بذلت من أجل ذلك تضحيات كثيرة، لكن بنتائج محدودة جدًّا.
فالعلم هو سبب الرفاه الثقافيّ، والإقتصاديّ، والإجتماعيّ، والسياسيّ، فأكثر من 90% من الناتج الوطنيّ الإجماليّ في البلدان الصناعيّة إنّما هو من نتاج العلم والَّقانة. ودخل الفرد في الدول المتقدّمة يعادل عشرة أضعاف دخل الفرد في الأردن الغارق في الجهل، والفقر، والفساد. وتعود التحدّيات التي تواجه الأردن إلى مسألتين :
الأولى: تحدّيات ناجمة عن مشاكل تنمويّة تشمل النموّ السكانيّ، والأمن الغذائيّ، والصحّة، والمسكن، والملبس، وحقوق الإنسان، والمواصلات، والأمن الوطنيّ، تكمن صعوبة حلّها في غياب الثقافة السياسيّة التي تجعل بلدنا الأردن قادر على التجاوب مع هذه التحدّيات.
والثانية : تتمثّل في الثقافة، فإذا لم يتمكّن الأردن من التمسّك بماضيه، وإستعادة تلاحمه السياسيّ، والإقتصاديّ المفقود، سوف يصعب عليه البقاء كمجتمع متلاحم مع حضارته الخاصّة.
من هنا يبرز دور البحث العلميّ في مسألة التغيير في المجتمع، والجماعة المبدعة والناشطة علميًّا، هي وحدها فقط القادرة على مساعدة مجتمعها للدخول في عمليّة حكيمة تؤدّي إلى المشاركة الجماعيّة في المجتمع عبر مؤسّساته المدنيّة. وأمام هذه التحدّيات الخطيرة التي يواجهها الأردن لا بدّ من دعم البحث العلميّ، بهدف الإبتكار والتغيير، كما أنّه لا بدّ من أن يتّخذ المسؤولين موقفًا جديًّا حيال هذه التحدّيات من أجل توفير الدعم اللازم للبحث العلميّ، وإعطائه إهتمامًا أكبر عبر توفير مستلزماته، بغية التمكن من ردم الهُوّة المعرفيّة والتكنولوجيّة بين بلدنا الأردن والبلدان المتقدّمة، وإلا سوف يبقى الأردن محكوما بفقر مستديم للعقل وتواكل تَقانيّ.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات العربية الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي