زاد الاردن الاخباري -
كتب أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية أ. د. ليث كمال نصراوين:
تشهد الساحة السياسية المحلية هذه الأيام حركة حزبية نشطة تقودها الأحزاب الجديدة التي يتم العمل على إنشائها وتلك القائمة والمسجلة قبل عام 2022، والتي تهدف إلى تصويب أوضاعها قبل انتهاء المدة القانونية التي حددها قانون الأحزاب السياسية الجديد رقم (7) لسنة 2022 بسنة شمسية واحدة تنتهي في منتصف أيار القادم.
وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن الهيئة المستقلة للانتخاب إلى أن عدد الأحزاب السياسية التي صوبت أوضاعها حتى تاريخه قد وصل إلى (13) حزبا، وأن هناك (7) أحزاب في طريقها لتوفيق أوضاعها.
فمنذ أن صدر قانون الانتخاب الجديد لعام 2022 الذي خصص ما مجموعه (41) مقعدا كحد أدنى للأحزاب السياسية، بدأ نشاط حزبي غير مسبوق يدب في أوساط السياسيين الأردنيين، الذين أخذوا يتسابقون فيما بينهم على تأسيس أحزاب سياسية جديدة أو الانضمام إلى الأحزاب القائمة. وهذا الاقتناع المفاجئ بأهمية الأحزاب السياسية ودورها في الحياة العامة، يثير تساؤلات مشروعة حول قدرة هؤلاء الأشخاص الذين يتصدرون المشهد الحزبي العام في قيادة الأحزاب السياسية الجديدة التي قاموا بإنشائها، ومن ثم صلاحيتهم السياسية في تولي المناصب الدستورية في السلطتين التشريعية والتنفيذية.
إن جُلّ من انبرى من الوزراء والسياسيين والنواب السابقين للدفاع عن الحياة الحزبية وأهميتها في المرحلة القادمة هم ذاتهم الذين استلموا مناصب قيادية سابقة ولم يظهروا حماسة كتلك التي يعلنوها اليوم أثناء فترة خدمتهم العامة للعمل الحزبي. كما أن النواب الذين تحولوا فجأة إلى حزبيين بالفطرة هم نفسهم الذين خاضعوا انتخابات تشريعية سابقة، وجرى اختيارهم على أساس عشائري في انتخابات داخلية، ومن ثم اعتمدوا على عنصري الإقليمية والجهوية للوصول إلى سدة البرلمان.
فهذه الخلفية "اللاحزبية" للأشخاص الذين يتصدرون المشهد الحزبي هذه الفترة تثير مخاوف حقيقية من قدرتهم على إدارة شؤون الأحزاب الذين جرى تسليمهم مقاليد الحكم فيها، بالنتيجة عدم انجاح تجربة التحديث السياسي التي ضمنها جلالة الملك نفسه عندما وجه الحكومة إلى تبني مقترحات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتي رأت النور من خلال تعديلات دستورية وقانونين جديدين للأحزاب السياسية والانتخاب.
كما بدأت تطفو على السطح مؤخرا حالة من التجاذبات والردح السياسي الذي أطلقه عددا من المتحزبين في مواجهة زملائهم الأعضاء المنتسبين معهم في الحزب ذاته، وذلك بسبب استثنائهم من توزيع المناصب القيادية الداخلية في الحزب. فهذا الموقف بحد ذاته يعطي انطباعا واضحا عن مدى اقتناع الحزبيين الجدد بالعملية الحزبية، وهدفهم الحقيقي من التستر وراء الأحزاب السياسية، والمتمثل في إعادة انتاج أنفسهم سياسيا بغية الوصول إلى السلطة من جديد.
إن الناخب الأردني على قدر عال من الوعي والنضوج السياسي رغم التحديات الاقتصادية الجمة التي يعاني منها، وهو يدرك أن الحزبية ليست وليدة ظاهرة مستحدثة ينادي بها المتحزبون الجدد متى شاؤوا، بل هي حالة من الاقتناع الوجداني الداخلي التي تنشأ مع الفرد، والتي تجعله يقدم مبادئه وأفكاره الحزبية على مصالحه الشخصية، فيعيشها في حياته اليومية، ولا يساوم حولها أو يقايض فيها.
فالساحة السياسية الأردنية فيها من أولئك الحزبيين الأصليين العدد الكبير، الذين جاء الإصلاح السياسي ليدفعهم نحو العمل الحزبي بشكل واضح وعلني، فأعطاهم الضمانات القانونية الكافية بألا يتم التعرض لهم أو لأي من أفراد أسرهم بسبب انتمائهم الحزبي. فهذه الأسماء الوطنية الحزبية هي التي يُفترض بها أن تتصدر المشهد السياسي في المرحلة القادمة، وأن تتاح لهم الفرصة الكافية للوصول إلى المناصب السياسية العليا في الدولة، خاصة بعد أن أعطيت فرص عديدة للشخصيات الحالية التي تتصدر المشهد الحزبي، ولم يحققوا شيئا.
إن نجاح تجربة الأحزاب السياسية في المرحلة القادمة بحاجة إلى أعضاء حزبيين حقيقيين ينتسبون إلى الأحزاب الجديدة أو القائمة منها، دون مزاحمة لهم من شخصيات أخرى لم تكن الحزبية في يوم من الأيام ضمن معتقداتهم ومبادئهم الشخصية الخاصة بهم.
ولا يغير في حقيقة الأمر أن المادة (16) من الدستور قد منحت الحق لجميع الأردنيين في تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها. فالحديث اليوم ليس عن الحق في تأليف الأحزاب السياسية والعضوية فيها الذي يثبت للكافة دون استثناء، وإنما في ضرورة إتاحة المجال أمام الأردنيين المؤمنين بالعمل الحزبي بأن يتصدروا المشهد العام، وأن يأخذوا فرصتهم في المشاركة في إدارة شؤون الدولة، وأن يكون غير المعتادين على العمل الحزبي في الصفوف الثانية، على الأقل حتى تتجذر لديهم ثقافة حزبية وسياسية حقيقية.