مرة بعد أخرى يؤكد الملك في أحاديثه أنه لا رجعة عن مشروع الاصلاح السياسي والإداري وان العمل السياسي بوابته العمل الحزبي، وهي رسالة متجددة يريد الملك ان يقول فيها للأردنيين إن المشروع ليس تجربة، ويقول فيها ايضا للمؤسسات في الدولة إن عليها أن تتعامل مع المشروع باعتباره خيارا استراتيجيا وليس حالة يمكن تذويبها وتمييعها والالتفاف عليها.
والمشروع جوهره تغيير عملية بناء مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية لتكون من خلال صناديق الاقتراع والأداة الرئيسية هي الاحزاب فهي التي ستفرز النواب، ومجلس النواب عبر الاغلبية او ائتلاف الاغلبية سيشكل الحكومات والامر تدريجي خلال عشر سنوات تقريبا.
وما دامت الاحزاب هي جوهر المشروع فإن بناءها الذي يتم في هذه المرحلة وفق القانون الجديد من اهم معايير نجاح المشروع السياسي، والبناء هنا له مسارات اولها المسار الاجرائي، اي تطبيق أحكام القانون في التشكيل والترخيص للأحزاب القديمة والجديدة، وهذا الامر سيتم لتوفيق الوضع القانوني حتى منتصف أيار القادم.
أما المسار الأهم الذي يحتاج الى عمل حقيقي فهو جوهر هذه الاحزاب وقدرتها على ان تكون مؤسسات سياسية بحجم مشروع الملك، وفرق كبير بين تجمعات تخوض الانتخابات وتتقاسم مقاعد مجلس النواب وبين مؤسسات سياسية تدمج الأردنيين فيها وتقنعهم بأنها جوهر شكل الدولة القادم.
ومن يؤمن بمشروع الملك حريص على نجاحه كما يراه الملك عليه ألا يغرق في إنجاز شكليات العمل الحزبي ويعتبرها كل شيء ويتجاوز عن جوهر ومضمون والبنية التحتية للأحزاب لتكون قادرة على الاستمرار ودمج الناس فيها، فالحزب ليس تجميع وحشد مئات الاشخاص في سجلات يتم تقديمها للهيئة المستقلة للانتخاب لغايات الترخيص بل مؤسسة سياسية لديها مضمون وتماسك داخلي يمنعها من التشظي والانقسام مع اول جولة لتوزيع المغانم.
جدية وحرص وحزم الملك في المضي في التحديث السياسي يجب ان تترجمها كل الجهات المسؤولة بما فيها الاحزاب والحزبيون الجدد الى عملية بناء وعدم الاكتفاء بتحقيق شروط التأسيس والترخيص والقول ان الحزب قد تم بناؤه وانه حقق شروط القانون، فالأمر ليس عطاء سياسيا مثل عطاءات الأبنية او غيرها ففكر الملك منذ اول ورقة نقاشية قبل أكثر من عشر سنوات في تكوين جديد للمؤسسات الدستورية وليس بناء شكليا لا يغير من الواقع شيء.
البعض يعتقد ان التحديث السياسي هو تحويل من كانوا يأتون للمواقع المهمة في الدولة من التعيين الفردي الى التعيين عبر الاحزاب، او من كانوا يدخلون البرلمان بالطريقة الموجودة الى الدخول عبر الاحزاب مع احتفاظهم بذات النهج ومستوى الكفاءة وعقلية ادارة الدولة، وهذا ما يفسر جزءا من المشهد وتدافع اعداد كبيرة من اصحاب المسؤوليات السابقين والحاليين وايضا الطامحين الى الاحزاب.
لا ننكر على اي شخص إن كان مسؤولا سابقا او حاليا او حتى لديه طموح في الدخول إلى اي حزب، بل يجب ان تكون هناك مشاركة من الجميع لكن ما هو غير مقبول ان يرى البعض مشروع التحديث السياسي آلية جديدة للتعيين وليس استراتيجية للدولة لإعادة بناء مكانة المؤسسات الدستورية لدى المواطن شكلا ومضمونا.
جدية الملك وحرصه ورسائله الواضحة في المضي بلا تردد لإنجاز التحديث يجب ان يعبر عنه كل طرف بعملية بناء سليمة، فالأمر ليس تجربة بل مسار لا رجعة عنه.
المسار يحتاج لفرصته الكاملة، والتجربة تحتاج الى دعم وإيمان من كل الاطراف، ومن الدعم ان تكون البنية التحتية للتحديث السياسي قوية من حيث الشكل والجوهر وان تكون قادرة على المرور من المحطات الصعبة، ومن لا يستطيع ان يدعم هذا المسار فعليه على الاقل أن لا يكون سببا لتعثره.