كل ما كان يجري في إقليمنا العربي من أحداث وأزمات كان يترك آثاره على الصراع العربي الإسرائيلي، وما يجري داخل أي دولة من دولنا من إرباكات أو أزمات كانت تستفيد منه إسرائيل على شكل تعزيز رؤيتها لإدارة المرحلة وزيادة الاستيطان أو فرض أمر واقع على الأرض، واليوم فإن ما يجري في كيان الاحتلال من شقاق وخلافات سياسية وخروج مظاهرات حتى الآن ضد سياسة حكومة نتنياهو في مجال القضاء، كل هذا له آثار علينا في المنطقة وأيضا في الأردن.
وإذا كانت ذروة الأحداث هناك قد تراجعت فإن آثارها ما زالت موجودة كما أن إمكانية عودة التوتر قائمة ومتجددة، وبالتالي فإن واقع حكومة نتنياهو يختلف عن واقع حكوماته السابقة الممتدة لسنوات طويلة.
وإحدى قواعد علاقات الدول الوضع الداخلي لأي دولة، فمن لديه وضع داخلي ضعيف أو مرتبك يضعف وزنه في موازين العلاقات مع محيطه ومع العالم، وحتى لو بقيت حكومة نتنياهو فإن هذا “القانون” ينطبق عليها وتحديدا في بعض علاقاتها مع الإقليم.
مشروع إصلاح القضاء في إسرائيل ليس فقط تعديلات لمنع محاكمة نتنياهو في قضايا الفساد، لكنه مشروع كبير وفيه تفاصيل تمس بشكل مباشر الفلسطينيين من عرب 48 وأبناء الضفة، وربما من الضروري دراسة هذه الآثار التي تهمنا في الأردن بشكل مباشر، خاصة إذا عاد المشروع على جدول أعمال الكنيست الصهيوني الصيف القادم.
لكننا في الأردن الأكثر تأثرا بالاذى السياسي الذي جاءت به حكومة نتنياهو بتركيبتها الفردية في عمق الإرهاب والتطرف ضد الفلسطينيين والأردن، حكومة يمكن اعتبارها الأكثر عداء للأردن، ورغم مشاركة إسرائيل في لقاءي العقبة وشرم الشيخ إلا أنه لا تأثير يذكر على مواقفها بل ازدادت عدوانية تجاهنا.
في إسرائيل مؤسسات عسكرية وأمنية والجنرالات المتقاعدون يرون مصلحة إسرائيل في علاقة هادئة بلا توتر مع الأردن، لكن القوى المهمة في الحكومة هناك عدوانية وبالتالي فإن أي حالة ضعف وإرباك وانشغال في ملفات داخلية ووجود معارضة قوية لها في الشارع مثلما حدث ويحدث أمر يخدمنا سياسيا لأنه يضعف هذه الحكومة وربما يكون سببا في مرحلة ما لسقوطها، طبعا البديل ليس حكومة تؤمن بالحقوق العربية والفلسطينية، لكن على الأقل عقابا للحكومة العدوانية الموجودة اليوم.
حكومة الاحتلال اليوم في مأزق داخلي، وهناك قوى مهمة في إسرائيل تعتقد أن حكومتهم تقود بلادهم للخراب وأنها تعمل ضد مصلحة إسرائيل، وهناك أزمة بين إسرائيل وإدارة بايدن، وهي أزمات لم تكن في حسبان نتنياهو الذي كان يعتقد أنه قد يواجه تصعيدا في المقاومة الفلسطينية، لكن النيران والأزمات كانت داخل كيان الاحتلال، وقد يضاف إليها تصعيد في أعمال المقاومة في أي وقت.
إصلاح القضاء مشروع يلحق الضرر حتى “بيهود الدرجة الثانية” أي من الأصول العربية، إضافة إلى الفلسطينيين وكلما زاد التصعيد الداخلي هناك وزاد تضييق الخناق على حكومة نتنياهو وشركائه من الإرهابيين الصهاينة فهذا إضعاف لها وإرباك في حده الأدنى يشفي صدورنا منها حتى وإن لم يؤد إلى إسقاطها وتفكك الائتلاف الذي يشكل الحكومة.